مصر والعبور إلى المستقبل

بقلم: 

إذا كان العبور الأول في العام 73 قد أعاد للمصريين كرامتهم الوطنية، وأعاد للمؤسسة العسكرية هيبتها، فإن الانتخابات الرئاسية هي العبور الثاني الذي سيعيد للمصريين حقوقهم في دولة ديمقراطية مدنية وعصرية ويدشن عهداً جديداً للتنمية الوطنية المستقلة، ونهاية مرحلة الدولة الفاشلة والعاجزة والفاسدة.

بكل هذه المعاني فإن الانتخابات الرئاسية المصرية الحالية هي بداية مرحلة جديدة في حياة الشعب المصري وربما نكون أمام مرحلة جديدة على المستوى القومي الشامل.
يبدو وكأن نسبة التصويت ستكون مسألة مفصلية في "حسابات" النجاح من عدمه وفي "اعتبارات" درجة "شرعية" النظام السياسي الجديد وفي طيّ أكذوبة "الانقلاب" والتأسيس لنظام ديمقراطي جديد.
في هذا الإطار علينا بعد الإقرار بالأهمية النسبية لهذه الحسابات والاعتبارات في الحالة المصرية الخاصة القائمة في الواقع السياسي، وبعد سقوط نظام الإخوان، وبعد هزيمة مشروعهم هزيمة فاقت كل المستويات والمديات، وما تبع ذلك من محاولات مستميتة لنزع الشرعية عن ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو .. في هذا الإطار علينا بعد ذلك وربما قبله أيضاً أن نؤكد على أن نسبة المشاركة والتصويت ما دامت العملية الانتخابية تجري وفق قواعد وأسس ديمقراطية لا تنزع شرعية ولا تبطل مشروعية. وبالرجوع إلى معدلات المشاركة العالمية فإن تجاوز نسبة المشاركة لحاجز الـ 50% أمر استثنائي، وان معدلات المشاركة قد تراوحت في أعلى معدلاتها الوسطية ما بين 42% و45% في أوروبا وهي أقلّ من ذلك في الولايات المتحدة.
لقد حاولت جماعة الإخوان أن تعطي هذه "المسألة" بعداً لا تحتمله، وحاولت إيهام نفسها أولاً ووسائل الإعلام الغربي ثانياً أن "تدني" نسبة المشاركة سيساعد الجماعة على مواصلة مسلسل العنف والإرهاب من جهة وإضفاء طابع "المظلومية" على واقع الجماعة في مصر ووضعها الثانوي فيها من جهة أخرى.
أن تصل النسبة إلى نفس المعدلات الغربية أو تتجاوزها في ظل حالة الترهيب المنظم الذي تقف خلفه هذه الجماعة تحت مسميات وهمية وفي ظل الدعم الذي تلقاه الجماعة من الغرب ومن بعض أنظمة الإقليم وما تحظى به من دعم مالي وسياسي ولوجستي من فلول الإرهاب عبر الحدود الليبية، فهذا بحد ذاته يعتبر بكل المقاييس أكبر انتصار للشعب المصري وقواه السياسية الحيّة.
إن الوصول إلى هذه المعدلات هو إنجاز سياسي هائل وذلك بالنظر إلى المعطيات والحقائق التالية:
• تعوّد المواطن المصري على أن الجهة السياسية هي التي "تأتي" به إلى مقار الانتخابات ولا يذهب هو إلاّ نادراً.
تنطبق هذه المسألة على سلوك المواطن المصري في عهد الرئيس مبارك، وفي مرحلة الاستقطاب التي تولدت عن استيلاء الإخوان على السلطة في مصر وبصورة فاقعة، في حين تراجعت قليلاً في المرحلة الأخيرة، لكنها تبقى جزءاً من تراث الموقف والسلوك والممارسة الذي ما زالت تؤثر في مستوى المشاركة.
• إن عدد اللجان التي قررتها لجنة الانتخابات هو عدد قليل وغير كاف في كل الأحوال. فإذا كان عدد الذين يحق لهم التصويت هو حوالي 54 مليونا، وإذا كان عدد اللجان هو 14000 لجنة وعدد أيام الانتخاب هو ثلاثة أيام وكان التصويت متواصلاً وبدون أي انقطاع لأية أسباب على مدار اليوم ـ من التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساءً، وإذا كان التصويت لا يستغرق أكثر من دقيقة واحدة لكل مصوّت فإن أقصى ما يمكن أن يصل إليه عدد المصوتين هو حوالي ثلاثين مليون مصوت ليس أكثر (هذه الحسبة استمعت إليها من أحد الإعلاميين المصريين) الأمر الذي يعني أن لجنة الانتخابات كان عليها أن تحدد أيام الانتخابات بضعف الأيام التي تم تحديدها بعد التمديد، أو إلى تحديد ضعف عدد اللجان التي حددت لكي تتاح الفرصة الكاملة للتصويت وهو أمر لم يحدث، وهذا الخطأ تتحمله اللجنة المركزية للانتخابات.
• لم يكن ضرورياً أبداً حرمان (المغتربين) من التصويت في مناطق عملهم بدلاً من مناطق (مسقط رأسهم) بذريعة إمكانية ازدواجية التصويت طالما أن التقنيات الحديثة قادرة على تفادي ذلك كلياً، وهو أمر يعكس عدم مواكبة اللجنة المركزية لما وصلت إليه وسائل الاتصالات والمعلوماتية في الواقع. ولكن مع كل ذلك فإن إقبال المصريين على هذه الانتخابات هو إقبال مبهر وإقبال المرأة المصرية وكبار السن ظاهرة تحتاج إلى التوقف والدراسة.
نحب جميعاً أن تكون نسبة المشاركة عالية بل وعالية للغاية ولكن ليس بسبب سؤال الشرعية والمشروعية ـ فهذه المسألة أصبحت خلفنا ـ ودستورية الانتخابات ونتائجها لم يعد يعارضها غير فلول الإسلام السياسي في نسخته الإخوانية المتخلفة وفي نسخته الأصولية الإرهابية وبعض الأوساط الغربية البائسة ووسائل الإعلام التابعة لها، إضافة طبعاً الى دول ودويلات الإقليم بل لأن النسبة العالية ستعزز مسيرة العبور إلى المستقبل.
ومصر بهذه الانتخابات تَعبُر إلى المستقبل، وتتعافى بسرعة مدهشة، وهي جديرة بهذا الاستحقاق العظيم والشعب المصري يستحق رئيساً بوزن المشير.
 

المصدر: 
الأيام