نحن منافقون!
اليوم وقد أصبحت في سن الزواج فقد اكتشفت بأن عائلتي لديها اعتقاد مهم وهو بأنهم يتوقعون مني ان أتزوج من فتاة مسلمة متدينة وملتزمة باللباس "الشرعي" وبشرط ان لا تكون قد عاشت قصة حب في السابق أو دخلت في أي علاقة من أي نوع، بمعنى أن تكون عذراء، لأن غير ذلك يعني أنها قد تعيد الكرة بعد الزواج بحسب ما يعتقد وما هو سائد في ثقافتنا! وحتى هذا الحد فأنا لا أختلف كثيرا عن بقية شباب هذا الجيل فهذا ما وعيناه وتربينا عليه، إلا بأنني وفي يوم من الأيام قررت أن اختبر عائلتي التي أحب.
سألتهم ذات يوم بعد أن تجاوزت دوافع ترددي، ماذا لو قررت أن أتزوج من فتاة أمريكية أو أوروبية؟ تفاجأت بأن جميعهم أبدوا حماسا للموضوع تمثل بتشجيعهم لي لآخذ هذه الخطوة وأن أستفيد من الفرص التي سوف تتيحها لي مستقبلا، الى جانب جواز السفرالأجنبي طبعا، آخذين بعين الاعتبار بأن جواز السفر الفلسطيني قد أحرز المرتبة الخامسة في قائمة أسوأ جواز سفر في العالم. نسمع كثيرا عن شباب فلسطيني مغترب وكيف أنه استطاع بذكائه الباهر وفكره الخارق أن يتزوج من فتاة أجنبية وأن يحصل على الجنسية والوظيفة والبيت والتعليم وما الى ذلك، بكل بساطة فإن ما نعتقد بأنه تقاليد متوارثة ومبادئ راسخة ليس سوى أكاذيب رخيصة تسقط في أول اختبار عندما يسقط جواز السفر الاجنبي كل شروط العذرية والديانة وغيرها من شروط الزوجة المستقبلية، والسؤال المطروح هنا هل كان ذلك الشاب العربي ومجتمعنا أيضا سيتقبلون فكرة الزواج من فتاة فاقدة لعذريتها وتنتمي الى ديانة أو طائفة غير طائفته لو كانت عربية؟! أم لأن الفتاة العربية لا تمتلك جواز السفر الأجنبي بمميزاته العديدة.
هذا الامر دفعني للتفكير بأننا نحن الشباب أنفسنا مشكلة بحد ذاتنا، ترى الشاب في هذا المجتمع "زير نساء" يتحايل على الفتاة بكل الطرق لتقع في حبه ومن ثم يتحدث عنها في سهراته مع الاصحاب، أما إذا علم بأن أخته تتكلم مع أي شخص فهذه مصيبة المصائب وقد يتطور الأمر الى حد القتل كما حدث في العديد من الحالات، وهذا هو النفاق بحد ذاته، لماذا تعتقد بأن لك الحق بأن تحب وتمارس الجنس قبل الزواج بينما تحظر على أختك أن تتحدث الى شخص يهتف له قلبها؟!، وأنا لست ضد الأمرين فكل حر بطريقة حياته، انما أنا ضد هذا النفقي المجتمعي الذي أفسد عقولنا وقلوبنا، وجعل العديد من شبابنا منافقين ومنفصمي الشخصية بفكرين، فكر لأخت وآخر للحبيبة.
وليس بعيدا عن السياسة، في صغري كثيرا ما كنت أسمع الإمام في كل صلاة جمعة يدعو على أمريكا بالدمار ونحن نؤمن من خلفه، وعندما كبرت وجدت العديد من أبناء مجتمعي واباءه يسعى بكل الطرق المتاحة وغير المتاحة للحصول على فيزا للسفر الى أمريكا للسياحة أو العمل، وبصراحة أنا لست مستعدا لأن أدعو على أمريكا ولن أدعو عليها. ترانا ندعو على إسرائيل يوم الجمعة ونذهب للعمل فيها يوم الاحد، وهذا أيضا نفاق مجتمعي علني، فإما أن تعمل في اسرائيل أو تدعو عليها! وسواء وافقت أم لم توافق معي فهذا لا يغير من حقيقة الأمر أو اسمه، ادعوه ما شئت وستراني في كل نهاية قول أكرر على مسامعك بأن هذا نفاق.
إن هذا المجتمع لن يصبح تقدميا أصيلا تحرريا الا اذا تخلص من هذه الافكار البالية وداسها بقدمه، لم أعد أؤمن بالجيل السابق ليفعل ذلك، انما أؤمن بالجيل الحالي ليحقق التنمية الشاملة والتقدم المستدام والديمقراطية الأصيلة، بناء على تفكير ووعي وليس بناء على ما توارثناه من جيل فشل في تحقيق أي مما سبق، مع احترامنا للجيل القديم من أبائنا ولكننا لسنا أنتم ولا أنتم نحن، ولن نكون ولن تكونوا، ولتتذكرو قول القائد العظيم علي ابن أبي طالب: لا تربوا أبنائكم على طبائعكم فقد خلقو لزمان غير زمانكم.