ثمة ما يستحق الاهتمام أكثر

بقلم: 

فيما يصدر عن مسؤولين أميركيين بشأن المسؤولية عن فشل المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات، والتقدم نحو تسوية الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، عاود بعض من أنحى باللائمة على إسرائيل بسبب سياسات الاستيطان إلى تحميل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي المسؤولية، باعتبار أن المصالحة الفلسطينية من وجهة نظر هؤلاء، وجرياً وراء الموقف الإسرائيلي، سبب في تعطيل المفاوضات بعد قدر من الارتباك في تصريحات المسؤولين الأميركيين، تستعيد وزارة الخارجية بعضاً من توازنها، فتؤكد أنه لن يجري حل فريق المفاوضات، وأن وفداً رفيع المستوى، سيعود إلى المنطقة لفحص إمكانية استئنافها، وبأن الاتصالات بهذا الشأن لم تنقطع، ما يعني أن الأمور لم تصل إلى خط النهاية.
هي ليست المرة الأولى التي يتكيف فيها الموقف الأميركي مع المواقف والسياسات الإسرائيلية، بالرغم من أن إسرائيل لم تبدل ولم تغير في سياساتها المتطرفة، إلى حد يثير التساؤل عمن يقرر سياسات الولايات المتحدة إزاء قضايا الشرق الأوسط، وخصوصاً القضية الفلسطينية. لا يحتاج الأمر إلى تلميع الذاكرة، بشأن مسار وسيرورة المواقف الأميركية، التي كان أكثرها فجاجة، تراجع الإدارة عن موقفها إزاء مطالبة إسرائيل بتجميد كامل للاستيطان، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى استقالة السيناتور جورج ميتشل من مهمته كمبعوث أميركي لعملية السلام.
في كل مرة يثور فيها خلاف بشأن التسوية، تغدق الولايات المتحدة من العطايا والمكافآت والإغراءات للطرف الإسرائيلي، فيما تمارس ضغوطاً هائلة على الطرف الفلسطيني، الذي نجح في نزع كل الذرائع الأميركية حتى لم يعد لدى المسؤولين الأميركيين ما يطالبون به الفلسطينيين، سوى أن على حكومة الوفاق الوطني أن تعترف بشروط الرباعية الدولية.
حتى هذا الشرط أسقطه الرئيس محمود عباس في خطابه أمام المجلس المركزي في السادس والعشرين من الشهر المنصرم، لكن ذلك لم يمنع مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس من أن تكرر الشرط ذاته التي زارت إسرائيل الأسبوع الماضي ضمن رحلة الحجيج، إلى تل أبيب، التي تستقبل وزير الدفاع الأميركي، دون فاصل زمني بين الزيارتين.
هذه الزيارات، لا تنطوي على احتمال أن يتجه هؤلاء المسؤولون لتوبيخ إسرائيل، أو الضغط عليها، وإنما لتقديم المزيد من العطاءات والإغراءات والضمانات الأمنية، ولكن يبدو أن ذلك بدون جدوى، إذ يواصل نتنياهو وائتلافه اتخاذ المزيد من السياسات والإجراءات، والتشريعات، التي تذهب نحو مزيد من التطرف، ومزيد من العقابات أمام إمكانية استئناف المفاوضات.
العناد والتطرف الإسرائيلي، بلغ حد التقدم بمشروع قانون يمنع الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وتكريس يهودية الدولة، وتكثيف الاستيطان وتهويد القدس، ما يعني أن إسرائيل تسقط سلفاً كل المطالبات والشروط الفلسطينية، وتغلق الأبواب أمام أي تحرك أميركي باتجاه التسوية.
كان ينبغي لكل ذي بصر وبصيرة أن يستنتج من رحلة المفاوضات الأخيرة أن إسرائيل بقيادتها الحالية، ليست في وارد البحث عن مفاوضات تؤدي إلى تطبيق رؤية الدولتين، وأن لا سبيل للمحاولة مرة أخرى، إلاّ لمنح إسرائيل الفرصة والوقت اللازم لمتابعة مخططاتها التي تخلو من أي احتمال لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
الحجاج الأميركيون إلى إسرائيل، عادوا للبحث في ملفات عديدة، في مقدمتها الملف النووي الإيراني، الذي أرادت إسرائيل منذ البداية أن يكون الملف الأول، والأهم وربما الوحيد الذي يستحق التنسيق بينها وبين الولايات المتحدة، بخلاف ما أرادته الإدارة الأميركية التي ربطت هذا الملف بملف التسوية مع الفلسطينيين.
إن من يدرك هذه الحقيقة، والأرجح أن كل ذي صلة يدركها، يفترض ألا يجعل من ملف الحديث عن المفاوضات، وهو حديث بدون مفاوضات، موضع خلاف واختلاف فلقد تحول هذا الملف إلى شمّاعة، وفي أفضل الحالات إلى معركة تكتيكية، هدفها تغيير البيئة الدولية، ما يعني أن على الفلسطينيين المقبلين لتحقيق المصالحة الاهتمام بملفات أخرى أكثر أهمية.
من بين هذه الملفات، التي لا تحظى باهتمام، عملية التطبيع الجارية، والتي تتحمل المسؤولية عنها، قوى وجماعات تنفي كل الوقت استعدادها، للتطبيع أو الاعتراف بإسرائيل.
نبدأ هنا من فلسطين، حيث نشر جهاز الإحصاء المركزي تقريراً، تضمّن بين سطوره، معطيات رقمية بشأن العمالة الفلسطينية في إسرائيل، التقرير يتحدث عن ارتفاع عدد العاملين الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية من 18,900 عامل في الربع الأول من العام 2013 إلى 23,200 عامل في الربع الأول من العام الحالي 2014.
الأرقام تتناقض مع المنطق والأخلاق، وتتناقض مع القانون، إذ كيف يمكن مطالبة الأوروبيين وغيرهم بمقاطعة البضائع التي تصدرها المستوطنات، فيما عمال فلسطينيون هم بأيديهم من يقوم بإنتاجها.
على الوجهة ذاتها، نتساءل عن مغزى موافقة السلطات التونسية، على منح تأشيرات دخول للسياح الإسرائيليين إلى تونس، الأمر الذي يدعو للاستغراب ورفع علامات استفهام كبيرة، على رؤوس من يدعون أنهم مخلصون لمبادئ أولى ثورات الربيع العربي.
وفي الجوار، في المملكة المغربية، يتم السماح بعرض أفلام سينمائية إسرائيلية ودعوة شخصيات للمشاركة في مهرجان سينمائي مغربي، والسؤال هو: هل الحكومة المغربية التي يترأسها بن كيران موافقة أم غافلة عن الأمر، والسؤال هل هذه من بواكير الربيع العربي، بأحصنته الجديدة أم أن غياب أصحاب القضية، يشكل سبباً في هذه الموجة التطبيعية؟ واقعياً يكون الجواب الاثنين معاً، والأجدر ليبدأ الفلسطينيون بأنفسهم.