الشباب الفلسطيني ... إستحقاقات مؤجلة

بقلم: 

 

لو بحثت عن دور الشباب في المشاركة السياسية، وصناعة القرار، ستجد آلاف الوثائق والدراسات التي تؤكد أهمية هذا الدور، وضرورة تفعيله. وربما تكون الوقائع الحقيقية – التي تدعم صدق هذا التوجه - عالميا، وإقليميا، وفلسطينيا أفضل بكثير من الدراسات النظرية، وهي بالمئات. ولو سألت أي قيادي، أو مسؤول فلسطيني – من مختلف الفصائل والتنظيمات – لقدم لك شرحا وافيا عن إيجابيات المشاركة السياسية للشباب، وضرورة وصولهم لمراكز صنع القرار، وأن النظام السياسي الفلسطيني بحاجة لهم. ومع ذلك ما زال الشباب الفلسطيني يعاني تبعات قانون يحد من مشاركته السياسية، سيما في الترشح للرئاسة، ولعضوية المجلس التشريعي.

ولا يبدو هذا القانون مفهوما، أو مبررا من ناحية قانونية، بل يعد مخالفة دستورية، وفق للقانون الأساسي الفلسطيني، ويتناقض كذلك مع عقل يستخدم أبسط قواعد التفكير بمعزل عن المهارات العليا. وبالنظر لجملة من التطورات على صعيد الوضع الفلسطيني الحالي، يخرج المرء بإستنتاج أنه قد آن الآوان لتغيير هذا القانون المجحف.

من الناحية القانونية: تضمن القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، في المادة ( 26 ) للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية : ( نذكر منها )

1.    التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقاً للقانون.

2.    تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص.

يعطي القانون الأساسي بوصفه مصدر التشريع الرئيس، الحق لجميع الفلسطينيين بالتصويت، والترشيح، كذلك الحق في تقلد الوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص، وإذا كان القانون الأساسي قد أضاف في المادة رقم ( 1 ) السابقة وفقا للقانون، هذا لا يعني بأي حال أن يخالف القانون نص وروح القانون الأساسي، بل ينبغي أن يتناغم القانون – أي قانون – مع نصوص القانون الأساسي، أو الدستور، ولا يتعارض معه، وفي حال تعارض، أو إختلف يعد ذلك مخالفة دستورية، وفي هذا السياق يفهم تحديد السن لمنصب الرئيس ب 40 عاما، ولعضوية المجلس التشريعي ب 28 عاما، بأنه قانون يحرم الشباب من ممارسة حق دستوري، ضمنه وكفله القانون الأساسي الفلسطيني المعدل، وبالتالي ينبغي النظر – بل كان ينبغي الطعن – في دستورية هذا القانون. فأين تكافؤ الفرص للشباب الفلسطيني " المؤهل " ضمن هذا القانون الجائر ؟! . وضمن أي تفكير، أو سياق، أو تبرير يتم إستثناء فئة تفوق 30% من المجتمع الفلسطيني، من المؤكد وبكل بساطة أنه لو كان هناك إيمان بهم، وبقدراتهم لما كان هذا القانون.

نحن لا نعيش وفق مفهوم المواطنة في العصر " الأثيني " بل ضمن علاقة تعاقدية، تشكل المساواة والمشاركة جوهرا للمواطنة في العصر الحديث، فكيف يمكن تفسير حرمان أكثر من 30% من المجتمع الفلسطيني من حق أصيل ؟ يقترن بمواطنيتهم، ويعتبر خير تجسيد لهذه المواطنة.

بتفكير بسيط:  يبدو حرمان الشباب الفلسطيني من المشاركة في صنع القرار مضحكا، ولنفكر معا فقط في القضايا التالية، إنطلاقا من الفرضية التي تقول أن الشباب غير مؤهل لشغر هذه المناصب:

1.    علميا: قد يحصل الشاب الفلسطيني على شهادة دراسات عليا ( ماجستير، أو دكتوراة ) قبل أن يتم السن المطلوبة لعضوية التشريعي، ويكون ملما بشكل عميق في مواضيع مثل ( القانون، أو السياسة، أو التاريخ، أو الثقافة، أو الإقتصاد، أو الرياضة، أو الفن، أو الهندسة، أو الإعلام ..... الخ ) ومع ذلك يصنف على أنه غير مؤهل، وغير كفؤ. وقد تستعين به لجان التشريعي المختلفة كمستشار خبير ( وقد حصل هذا سابقا ) ومع ذلك لا يحق له دخول المجلس !!

2.    إقتصاديا: آلاف الشباب الفلسطيني يقودون عملهم الخاص بنجاح تام، وبعضهم مدراء ناجحون لمؤسسات فرضت حضورها، يتقنون التفاوض، وحل المشكلات، ويفهمون جيدا في الموازنات، وإجراءات السوق، والتمويل، ونقشوا إسما بارزا في كثير من المحافل الإقليمية، والعالمية. ومع ذلك لا يعطيهم القانون الفلسطيني الحق للترشح لعضوية المجلس التشريعي.

3.    سياسيا: أصبحوا محترفين منذ الفطام، يقودون الحركات الطلابية بكل إقتدار، ينضون في عضوية المجالس الطلابية، ويرأسونها، فهل هم مؤهلون لمثل هذا العمل فقط ؟ هم حجر الزاوية للأحزاب السياسية بكافة هيئاتها – بإستثناء الهيئات القيادية – فهل يصلحون فقط وقودا لهذه الأحزاب ؟ لماذا يكون الشباب الفلسطيني مؤهلا ليقود حملة إنتخابية لشخص تجاوز الستين، ولا يكون مؤهلا لعضوية المجلس التشريعي ؟

4.    نضاليا : شكلوا أسطورة، كافحوا بكل الوسائل التي أذهلت العقل البشري، دفعوا الضريبة سنوات من عمرهم في المعتقلات والسجون الإسرائيلية، وهناك الكثير الكثير ..... شكرا ولكنكم غير مؤهلين لعضوية المجلس التشريعي. كيف يمكن أن يكون هذا الأمر مقبولا؟ لست أدري !!! ومن المؤكد أن لديكم الكثير لقوله.

 

تطورات الوضع الفلسطيني:  يفرض توقيع الرئيس محمود عباس طلبات الإنضمام إلى 15 إتفاقية دولية إستحقاقات متعددة، أبرزها ضرورة أن تتناغم التشريعات والقوانين الوطنية مع المعاهدات والمواثيق التي تم التوقيع عليها. وقد تضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة ( 25 )

يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة ( 2 ) الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
( أ ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في

      حرية.
(ب) أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم

      المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
(ج) أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في

     بلده.

وبالعودة إلى وجوه التمييز التي تحدثت عنها المادة (  2 الفرع 1) من العهد نفسه نجد النص التالي:  " تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب " .

فإذا كانت جميع أوجه التمييز السابقة غير مقبولة، فهل يمكن أن يكون مقبولا التمييز على أساس العمر ( السن ) !! باستثناء، وتهميش أكثر من 30% من المجتمع الفلسطيني

وتكمل المادة ( 2 الفرع 2 ) بالنص التالي: " تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية " .

وأظن أنه قد حان الوقت لإتخاذ التدابير الضرورية، الكفيلة بإعمال الحقوق السياسية المتعلقة بالشباب، بما يمكنهم من الوصول لدوائر صنع القرار.

وليس هذا فحسب، فقد تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( الذي أصبح عرفا ) في المادة ( 21 ) ثلاثة بنود تؤكد على الأمر ذاته الوارد في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وثمة تطور آخر لا يقل أهمية عما سبق، بعد طول إنتظار تحققت المصالحة، وأعلن عن ضرورة تجديد شرعية النظام السياسي الفلسطيني، وذلك بالتحضير لعقد الإنتخابات الرئاسية والتشريعية بعد ستة أشهر، لقد ألقى الخبر بالطاقة الإيجابية على الملايين – داخل وخارج فلسطين – رغم بعض الحذر. وبإعتقادي أن تجديد الشرعية الفلسطينية لن يكون على أسس سليمة إذا لم يكن الشباب ضمن دائرة صنع القرار.

وهنا سأكون واضحا ومباشرا للغاية لأقول: أن الحديث عن حلول وسط من قبيل تخفيض سن الترشح إلى 25 عاما، أو 21 عاما، ما هي إلا مقاربات توفيقية تجانب الصواب. ذلك أن السن الطبيعي الذي يسمح بالمشاركة السياسية الفاعلة للشباب، ويكرس المواطنة الحقيقية هو ذات العمر الذي يسمح به في الترشح، وهو 18 عاما. وهو الأمر الطبيعي الدارج في الدول التي تحترم مواطنيها، وتكرس المواطنة واقعا ملموسا.

ولنترك بعدها لجمهور الناخبين أن يقرروا الإختيار بأنفسهم، نحن لا نطلب كوتا للشباب، بل أن يفسح القانون لهم الطريق لينافسوا على قاعدة تكافؤ الفرص، وعلى قاعدة الإختيار الحر ليكون الشاب الكفؤ والمؤهل في المكان المناسب.

إن هذا بحاجة إلى إرادة سياسية مؤمنة بالتغيير، وبحقوق الإنسان، تكرس مواطنة حقيقية، كما أنه بحاجة إلى دعم ومساندة من الأحزاب السياسية الفلسطينية، مساندة صادقة دون خداع ومواربة، وخطب رنانة، وإلى دعم المجتمعين المدني، والمحلي. وإلى جهود المؤمنين بأن مجتمعا يكون الشباب فيه في مراكز صنع القرار هو مجتمع رؤوي، متجدد، واعد، ومتطور.