سيكولوجية الصورة وأزمة النفير

بقلم: 

في عالم الصحافة الصورة تعادل ألف كلمة، لكن في ظل الأجواء التي تمر بها الضفة الغربية بشكل خاص، باتت الصورة تعادل ألف فعل نزول إلى الشارع، إما لتشييع جثمان أو المشاركة في مظاهرة ضد التطبيع أو مسيرة تضامنية مع الأسرى؛ لتغدو المشاركة " البصرية أو الصورية " فعلاً مشابهاً لمواقف التأييد و الرفض أو المقاومة، فتبدو عملية انتظار الصورة  على الوجه الظاهر من وراء أي وسيط تكنولوجي لا يقل أهميّة عن الدور الذي يلعبه المشارك في أي سياق حدث على أرض الواقع.

إن كانت الصورة صاحبة المنطق المستقبلي جزءاً مكملاً للحدث، فهي اليوم تمثل كلّ الحدث؛ توجهه وتكشفه، تسطحه وتعمقه، تؤدلجه وتؤطره، وهذا الاستيلاء للصورة قد يضع الإنسان في حيز الشلل المعرفي والفهم الأداتي للطريقة التي تقوم بها بتحويل الإنسان من فاعل إلى مفعوله به، تقتصر مهمته على استقبال الصور وإعادة أدلجتها ونشرها والتلاعب في سياقاتها، في انحراف لكامل دوره في أن يكون مشاركا في الأحداث التي تتناولها الصورة من جهة، وصياغة الدور المنوط به في ظل عالم الصور بأن يكون جزءا منها ومكملا لها في الوقت ذاته.

في الواقع الفلسطيني؛ يبدو أعداد الناشرين لصور تشييع جثمان الشهداء على صفحة الفيسبوك يفوق أعداد المشاركين على أرض الواقع، وظيفتهم لا تتجاوز البحث عن صور الجنازات وتحميلها على المواقع الاكترونية، والحال ينطبق على صور المواجهات الحاصلة في المسجد الأقصى، والمسيرات التضامنية مع الاسرى أو ضد الاعتقال السياسي وغيرها ؛ مما يحد من فعل المشاركة والمواجهة وحتى النفير؛ فالعيش وفق منطق  " انتظار الصورة  "   قد يُخضع المرء لاستسلامات مشروطة مشوّهه، تعطّل معها اتّجاهات السلوك الإنساني وتضع المرء في مواقع البلاهة، التي عادة ما يعبر عنها بمشاعر " محروقة- مؤقتة "  تُرتهن لوجود الصورة  وزوالها.

وأما هذا المشهد المختصر، لا أنكر نشر الصور المتعلقة بأي حدث، مادامت تكشف عن الجزء الميت من الحقيقة التي يجب أن نقولها، لكن دون ان تدفعنا لارتخاءات واستسلامات بصريّة تلتقط ردات أفعالنا على هيئة صور!