أسئلة المصالحة الفلسطينية
بقلم:
أصبح الفلسطينيون قاب قوسين أو أدني من تحقيق حلم طال انتظاره، والساعات الأخيرة أعادت جزء كبير من الأمل المفقود الذي تملك قلب كل فلسطيني وأوصله إلي حالة اليأس من تحقيق الوحدة الفلسطينية بين شطري الوطن، ولا شك ان زيارة عضو اللجنة المركزية ومسئول ملف المصالحة في حركة فتح عزام الأحمد لقطاع غزة أعادت الأمل المفقود من جديد.
الأمر الذي يعطي مزيداً من التفاؤل والأمل يتعلق بطبيعة الخطوة التي اقتصرت ولأول مره منذ سبع سنوات، على التفاوض المباشر دون الحاجة لأي طرف خارجي كوسيط، وهو أمر مهم جداً وقد يعجل من إتمام العملية لأن أحد الطرفين "حماس" لا تحظي بعلاقات جيده مع الجانب المصري، لذلك تنظر للوساطة المصرية بحالة من عدم الثقة، وهذا الأمر ليس بجديد بل موجود منذ عهد الرئيس المخلوع مبارك، لذلك فحالة التفاؤل الموجودة الآن ربما تكون نابعة أصلاً من اللقاءات المباشرة بين الخصمين السياسيين، لكن هذا لا يعني بالمطلق أن العوامل الخارجية قد تم تحييدها مؤقتاً.
فالأجواء الخارجية التي سبقت وصاحبت الحوار الجاري الآن بين فتح وحماس في غزة، نجدها أكثر قناعة وتوجهاً نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية، من جانبها مصر تحاول توفير المناخ الايجابي بين الجانبين من خلال السماح لأبو مرزوق بالذهاب إلي قطاع غزة، والمعروف أن هذه الخطوة لم تتم إلا بالتنسيق مع إسرائيل التي أعطت الضوء الأخضر لقيادي حركة حماس لدخول غزة، وهي خطوة إيجابية بكل المقاييس، خاصة وأن حالة العداء التي وصلت إلي ذروتها بين النظام المصري الحالي وحركة حماس كانت قد وصلت إلي مستوي غير مسبوق بعد عزل الرئيس الاخواني المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو من عام 2013.
في هذا السياق بدأت الهجمة الإعلامية التي تشنها القنوات التلفزيونية المصرية تجاه حركة حماس تتراجع وبشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة، وفي الغالب قد بدأت القيادة المصرية تجني ثمار ذلك الآن لأن بقاء حالة العداء مع حماس من شأنه نسف أي محاوله نحو المصالحة الفلسطينية، هذا الأمر يدفعنا إلي تساؤل مهم، هل للسلطة الحالية في مصر مصلحة في تحقيق المصالحة؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج للكثير من التحليل، لكن الإجابة المختصرة تقول نعم، لأن الرئيس القادم "السيسي" في الغالب سيسعي لتبريد الأجواء الملتهبة مع التيار الإسلامي في مصر، وهو ما المح إليه الكاتب في صحيفة الحياة اللندنية " جهاد الخازن" عندما سأل السيسي عن موقفه من الإخوان المسلمين خلال المرحلة المقبلة، ولا شك إن التهدئة مع حماس يمكن أن تكون مقدمة نحو توجه النظام المصري، الأمر الآخر يتعلق أيضاً بمحاولة القاهرة لاستعادة دورها الإقليمي المفقود عبر المصالحة الفلسطينية التي ستعطي رصيد إضافي للرئيس المصري القادم.
هذا التوجه المصري الجديد صاحبه موقف إسرائيلي أقل حده تجاه الفقراء الفلسطينيين، ولم نجد حالة من الاستهجان والتهديد في الصحف الإسرائيلية كما هو معتاد، باستثناء تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي وجهه للرئيس أبو مازن قائلا عليه الاختيار بين المصالحة مع حماس أو السلام مع إسرائيل، لكن هذا الموقف الإسرائيلي مفهوم منذ بداية الأزمة الداخلية الفلسطينية منتصف عام 2007، وتصريح نتنياهو أيضاً كان متوقع، لكن الواضح أن الموقف الإسرائيلي أقل حده مقارنة بأي محاولات سابقة نحو المصالحة، وربما التفسير الأكثر دقة لذلك تأتي في إطار المساعي الإسرائيلية للهروب من تداعيات المفاوضات الفاشلة مع عباس، خاصة وأنها تسعي جاهداً لتحميل الطرف الفلسطيني مسئولية فشل المفاوضات، لأن موقفها يزداد حرجاً أمام العالم الغربي والإدارة الأمريكية التي حملتها مسئولية فشل المفاوضات عبر وزير خارجيتها جون كيري، لذلك قد يكون هذا الموقف الباهت من الحكومة الإسرائيلية يهدف بالأساس إلى الادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني كون حركة حماس التي ستشارك في حكومة الوحدة الوطنية المرتقبة لا تعترف بإسرائيل، وهو بمثابة مخرج لإسرائيل.
الإدارة الأمريكية من جهتها سبق وان حالت دون إتمام المصالحة الفلسطينية باعتراف السيد عزام الأحمد لوكالة سما نيوز في 22/4 قائلاً "الإدارة الأمريكية أفشلت سابقاً إتمام المصالحة، وضغطت على عباس لعدم التوقيع على هذا الملف باللجوء إلى تهديده بقطع المساعدات عنه، لكن حالة الترقب التي تتبعها إدارة أوباما حيال المصالحة الفلسطينية قد يكون الهدف منها ممارسة الضغط على إسرائيل لدفعها لتكون أكثر جدية بشأن إعادة إحياء المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
هذا الدور الأمريكي المتعلق بالضغط على إسرائيل يلتقي مع الموقف الفلسطيني في رام الله، فالبعض يزعم أن المصالحة هي عبارة عن مناورة يستخدمها الرئيس أبو مازن بغطاء أمريكي بهدف دفع إسرائيل لتقديم تنازلات، خاصة وأن تصريحات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس تأتي في هذا السياق، حيث أكد على أن وجود تقدم في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني قائلاً إن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمه، هذا الموقف يدفعنا للتساؤل التالي، هل المصالحة الفلسطينية الجارية الآن مجرد مناورة؟ أم أن هناك مصلحة إسرائيلية في إتمامها للهروب من تداعيات فشل المفاوضات؟
أسئلة كثيرة يطرحها المشهد الفلسطيني تحتاج لإجابات والأيام القليلة القادمة ستجيب عليها.