هل هو اختيار اشخاص أم اختيار برامج!

بقلم: 

هناك الكثير من المغالطات التي يتم إطلاقها في وسائل الإعلام، سواء من قِبَل بعض المعلقين والمحللين، أو من قبل بعض الضيوف في برامج الاستعراض الكلامي (التوك شو) حول الوضع السياسي والديمقراطي الخاص بالتجربة المصرية في مرحلتها الحالية، وجوهر ما يقعون فيه من خطأ هو عزل السياق التاريخي الاجتماعي  الحياتي المعاش وتطوراته في مصر، ومقارنة أو استقطاع بعض أجزاء التجربة الديمقراطية شبه المستقرة في دول العالم الأخرى، لتنطلق بعدها السهام المصوبة التي في ظاهرها البراءة وفي باطنها العمل على تشويش المشهد الحالي وإرباك الصورة لدى المواطن المصري، الذي أرى أنه مهمَل تماما في جانب التوعية السياسية من قِبَل مختلف الجهات التي يمكن لها أن تقدم ذلك، أو حتى من قِبَل المواطن نفسه.

ومن هذا التشويش التحدث عن «البرنامج الرئاسي الانتخابي»، وكأنه مربط الفرس أو محور الرحى، وأنا أعي تماما أن تجربتنا الحالية الوليدة في مجال الانتخابات الرئاسية التعددية لم يمض من عمرها سوى رئيس تم انهاء رئاسته بثورة شعبية، بينما الدول التي يتم النظر إليها كفرنسا أو امريكا أو بريطانيا وغيرها فقد مرت بتجارب اختيار عشرات الرؤساء، ومن ثم المقارنة خاطئة منذ البداية، لكي نتحدث عن «برنامج انتخابي رئاسي» حقيقي فاعل ويكون له دوره في المشهد السياسي واختيار المرشحين، نحتاج ثلاثة أمور مهمة: الأول: دولة مؤسسات حقيقية لديها القدرة على العمل لصالح مخططات استراتيجية بعيدة المدى واستقلالية في قراراتها بما يخدم الصالح العام دون أن يؤثر على أدائها تغيير القيادات، ثانيا: مصادر واضحة للمعلومات، وقدرة على معرفة وتحليل الاحتياجات الحقيقية للبلاد، ثالثا: شعب يقدر على فهم وتحليل هذا البرنامج الانتخابي ومناقشة عقلانيته في ظل المعطيات المتاحة للجميع، وفي ظل مؤسسات يمكن لنا الحكم على أدائها، ونخمن: هل تقدر مؤسساتنا على تنفيذ هذا البرنامج من عدمه.

ما أسهل أن يكتب أي مرشح نقاط في برامجه مثل: القضاء على البطالة، توفير شقق لمحدودي الدخل، رفع الأجور، هذه في الحقيقة ليست عناصر لبرنامج حقيقي، بل أمنيات يتم مداعبة الناس بها، فمثل هذه العناصر لا يختلف إثنان عن ضرورتها للوضع الراهن، لكن البرنامج الحقيقي هو الذي سيقول كيف يمكن تحقيق ذلك؟ كيف سنصل لحل مشكلة البطالة، واتمنى ألا يأتي الرد أيضا بكلام مثل: بمساندة المشاريع الحرفية الصغيرة، لأن هذا أيضا كلام انشائي، ومن ثم نحن بحاجة ماسة الى كلام تخصصي، وهذا هو البرنامج الحقيقي، أو بالأحرى هو خطة العمل التي يجب السير عليها.

ما يجب أن يكون في مثل هذه الخطة هو في الحقيقة ما يفترض أنه رؤية وآلية لحزب ما، وهي الرؤية التي غالبا ما يقدمها ويطرحها هذا الحزب للناس لكي ينتخبوا مرشحيه، فالمفترض أن الأحزاب تتوزع على مجموعات، منها اليميني الذي بعامة رؤيته لمعالجة هذه المشكلات هي كذا وكذا، ومنها اليساري الذي المفترض أنه رؤيته في معالجة هذه المشكلات هي كيت وكيت، وطوال العام تدور المناقشات والحوارات والصراع بين النواب وبين أداء الحكومة على أساس التدليل بأن الرؤية المقدمة هي الطريق الحقيقي والأفضل لمصلحة البلاد، هذه هي الصورة الموجودة في العالم وهي الصورة الحقيقية للحياة السياسية، التي تبدأ فيها الأحزاب بالتلاحم مع الجماهير من الجزئيات الصغيرة في البلديات والمدن والقرارات البسيطة فتؤيد هذا وترفض هذا وتعلق على أداء هذا وتجمع الآراء حول هذا وغيرها من آليات الحراك التي لا اعرف متى سيكون لها وجود في مصر، لا يوجد أبدا حزب يقول الحل في القضاء على البطالة، فهذا كلام أجوف، وإنما يتحدث في اجراءات كرفع ضرائب او خفض سقف ائتماني أو غيرها من الاجراءات التي تناقشها الأحزاب في مؤتمراتها وجلساتها ولقاءاتها مع أعضائها.

في مصر لا تحدثني عن برامج انتخابية طالما ليس هناك الشروط التي قلتها، أقولها بملء فمي الاختيار في مصر اختيار شخصيات وليس برامج، أي كلام عن برنامج انتخابي لن يكون أكثر من مداعبة لعواطف الناس، ولن يكون أكثر من تلاعب بالبسطاء، والطريف أنه في دول العالم هناك آليات لمحاسبة الأحزاب لو تخلت عن برامجها، وهو الثمن الذي يدفعه اولاند الان في فرنسان لأنه لم يلتزم بالوعود شبه الاشتراكية التي قدمها لناخبيه، ولم يقدم خدمات وتسهيلات للمهاجرين كما وعدهم وهي النسبة الاكثر تصويتا له، لذا هو على وشك المغادرة في التصويت القادم وحزبه يخسر كثيرا من شعبيته يوميا.

لا استقامة للحياة السياسية بدون أحزاب قوية، وأمام الرئيس القادم مهمة صعبة هي اصلاح الحياة السياسية المصرية لتتخذ صورتها الطبيعية، ربما نتحدث عن برامج انتخابية بعد دورتين أو ثلاثة رئاسيتين من الأن بعد أن تشهد التجربة المصرية تداولا للسلطة، وتكامل لمؤسساتها، لحين هذا الوقت أي كلام من عينة: كيف تؤيد فلان دون أن تر برامجه، أو هل قرأت برنامج فلان أو علان، هو تلاعب بالناس ليس أكثر.