زمن يسري فودة وكالابالا!!
أقدر الإعلامي يسري فودة تقديرا شديدا، ربما لطبيعته المتميزة في العرض والتقديم بأسلوبه الهادئ الرزين، وربما للغته الفصيحة، ولمحاولاته أن يبعد عن دائرة الإثارة بالتمييز بين الرأي والخبر، وربما لمسيرته المهنية ما بين ماجستير في الصحافة التليفزيونية، ودكتوراه في الفيلم التسجيلي المقارن، صحيح هو من أوائل الذين عملوا في الجزيرة منذ 1996م كمراسل لشئون بريطانيا وأوروبا، لكنه أيضا قدم برنامجه سري للغاية، وأيضا أول مصري يشرف على تدريب المصريين في اتفاقية التعاون بين مؤسسة فريدريش ناومان الاتحادية واتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، وهو أيضا عمل في هيئة الاذاعة البريطانية، وأسوشييتد برس، الخلاصة مسيرة الرجل حافلة ومشرفة.
وأقدر أيضا للرجل عندما قدم حلقة منذ عدة أيام استضاف فيها (كالابالا)، أقدر له وعيه العميق بضرورة الاهتمام بالقضايا الثقافية، وضرورة أن يقوم الاعلام بدوره في اكتشاف المواهب وفي النزول لأرض الشارع لتقديم مواهب جديدة، تستحق باقتدار أن تكون (نخبة) جديدة بدلا من تلك التي فقدت صلاحيتها مع الاحداث الماضية، لكنني فوجئت منذ عدة ايام باستضافته لمجموعة من الفتيات بقيادة (كالابالا) (محمد عبد الفتاح) والذي يتبنى نموذج الحكي الارتجالي لمجموعة من الفتيات يحاولن التعبير عن أنفسهن عبر ذلك- وهو أمر جيد في حد ذاته وفكرة رائعة؛ لكن (فودة) بدا مندهشا من هذه المواهب، ووقفت أتأمل كثيرا في هذا المشهد، فالحقيقة أن من تم تقديمهم في برنامج (يسري فودة) يوجد في أرض الواقع من هم أضعاف أضعافهم موهبة، وكيف أفهم اندهاش فودة وأنا اعلم ذوقه الرفيع في الآداب والفنون!
بعد ذلك بيومين تقريبا شاهدت على قناة أخرى في برنامج صباحي استضافة لأحدى الفتيات في الـ17 من عمرها، ولديها أيضا موهبة هي الصور والأرشفة، وكانت المذيعة تدعو وتطالب بعلو صوتها وزارة الثقافة أو أيا من الفنانين أن يتبنَّ هذه الفتاة، وهنا سرحت بخيالي لأحداث استلامي جائزة احسان عبد القدوس فرع النقد في يناير الماضي، فرغم وجود أكثر من 3 قنوات فضائية ووكالات انباء كانت تقوم بالتغطية لجائزة تحمل اسما كبيرا في عالم الابداع والتأليف والنقد، ورغم أن هدف الجائزة هو تعريف وتقديم الاقلام والمواهب الجديدة، إلا أنني فوجئت أن القنوات التي حضرت تهافتت على عمل اللقاءات مع منظمي الحفل أنفسهم، دون أن تكلف قناة واحدة منهن نفسها بأن تُجْرِ حوارا واحدا مع الفائزين أو حتى تعرض لهم صورة جماعية، رغم المعروف عن رصانة تحكيم هذه الجائزة، لأنه ببساطة أهم بالنسبة للإعلام الأسماء اللامعة من أولئك الذين فازوا، وهنا وقفت أتعجب من هذا العرج الإعلامي، عندما يكون هناك مسابقة – وأمثلتها كثيرة – ذات قيمة أدبية وتاريخية رصينة دورها اكتشاف المواهب والابداع يترك الاعلام الفائزين فيها لكي يجري الحوار مع المنظمين للجائزة! وعندما يرغب الإعلام في أن يقدم مواهب جديدة ويستضيفها يأخذ من مصادر لا أعلم من أين أتى بها؟ ولا أعلم مرجعيتها أو الذائقة الابداعية للمعدين لهذه البرامج – وهذا أخطر .
ساعتها استحضرت في ذهني الاستاذ عبيد عباس (38 سنة) الشاعر القنائي الجميل الذي حصل قريبا على جائزة الشارقة في الابداع المسرحي، وجائزة هيئة قصور الثقافة في الشعر، وجائزة فلسطين للإبداع الأدبي، وجائزة البردة، وغيرها من الجوائز، وقد كانت شكواه أنه دائما عندما يحضر تسليم هذه الجوائز يجد سفير كل دولة منها فائز حاضرا دون السفير المصري، ويجد اهتمام إعلام كل دولة بالمكرمين من عندها دون الإعلام المصري، وها نحن اليوم عندما قرر الإعلام المصري أن يفتح نافذة صغيرة يسيرة للمواهب جاء بـ(كالابالا) الذي اكن له كل التقدير والاحترام، لكنني ايضا اطالب هذا الاعلام ان يفرد المساحة لأدهم العبودي، وأشرف البولاقي، ومحمد صالح البحر، وعبد الجواد خفاجي، ومصطفى البلكي، ومأمون الحجاجي، ونجوى عبد العال، ومحمود الأزهري، وبهاء الدين رمضان، ومحمود الطهطاوي، وعلاء رسلان، وجمال عطا، وحمدي حسين، ومحمد مغربي مكي، ومحمود المغربي، ومصطفى جوهر، وعمرو عادل، وابتهال الشايب، وريهام مبارك، وهيام عبد الهادي، واحمد ابو خنيجر، وغيرهم وغيرهم من الأسماء الكثيرة التي يعرف كل مشتغل في الساحة الابداعية قدرها ووزنها، بيد أنها تجد تجاهلا إعلاميا مريرا، وهنا أسأل إن كان هذا التجاهل عن قصد فتلك مصيبة، وإن كان عن جهل فالمصيبة أعظم، تُرى هل وصل إعلامنا الخاص والحكومي إلى هذه الدرجة من الانفصال عن الواقع ومن عدم معرفته بكوادر مصر القادرة على أن تحمل شعلة التنوير في المستقبل، والتي كان يجدر لها أن تتبوأ مكانها منذ زمن؟ أم في الأمر أشياء أخرى؟ سؤال برئ!