"حماس": الارهاب حالة فردية وليست أصيلة في المخيمات

بقلم: 

قبل نحو شهر بدأت وفود من حركة "حماس" زيارات مكثفة للفاعليات والمراجع والقوى اللبنانية، واللافت أن وفد الحركة ولج مواقع مسيحية وغير مسيحية للمرة الأولى، حتى انه طلب موعداً لزيارة بكركي.

هذا الحراك كان مطلوباً بالحاح خلال الفترة الماضية، فهو أتى بعد عمليات انتحارية ارهابية شارك فيها فلسطينيون من لبنان، مما ولّد حالة احتقان عارمة في الجنوب خصوصاً وأعاد تسليط الاضواء على ابعاد الوجود الفلسطيني ومخاطره في لبنان وعودته ليكون كما ابان سني الحرب الاهلية شريكاً مباشراً في الصراعات الداخلية ولاسيما بعدما برز من اشار الى ان بعض المخيمات الفلسطينية، وتحديداً مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا، بؤرة احتضان للعقول المدبرة والمخططة للعمليات الارهابية، في وقت بدأ الحديث يرتفع عن امكان تشريع الابواب امام فتن بين المخيمات وجوارها.
الاتصالات لاستيعاب تداعيات ما حدث، شاركت فيها معظم الفصائل الفلسطينية، في سعي دؤوب منها بغية منع الانزلاق الى ما لا تحمد عقباه ولتبرئة الوجود الفلسطيني من تهم شتى بدأت تتراكم حوله وتنسج عليه، الا ان حركة "حماس" اعتبرت نفسها معنية اكثر من سواها بالامر، لاعتبارات ودوافع عدة ابرزها:
- ان الحركة متهمة مباشرة بالضلوع في دعم المجموعات المعارضة للنظام في سوريا، خصوصاً بعدما قطعت علاقتها بهذا النظام الذي عاشت تحت مظلة حمايته ورعايته المباشرة أكثر من ثلاثة عقود.
- ان الحركة متهمة بارسال مقاتلين منها او محسوبين عليها من غزة والضفة الغربية الى الساحة السورية لمؤازرة المعارضة ورفدها.
- ان الحركة جاهرت في البداية، وخلافاً لكل الفصائل، بتأييد مباشر لمعارضي النظام في دمشق عبر خطاب اتى من اعلى رموزها في غزة وخارجها.
- ان الحركة ورغم كل التحولات والتقلبات حافظت على حدود من العلاقة مع "حزب الله" وطهران وارادت ان لا يأتي حين من الدهر ينصرم فيه نهائياً حبل هذه العلاقة، خصوصا بعدما خابت رهاناتها عقب سقوط نظام محمد مرسي الاخواني في مصر، و"صمود" النظام السوري وانتقاله الى مرحلة الهجوم المضاد وعزلتها في الداخل الفلسطيني بعدما تقدم خصمها الأساسي المتمثل في حركة "فتح" وفي السلطة الفلسطينية عموماً.
- فضلاً عن ذلك، بدت "حماس" وكأنها الحاضنة الاولى لكل الجماعات الجهادية والسلفية المتمركزة في المخيمات الفلسطينية.
وبناء على كل هذه الاعتبارات والحسابات سارع ممثلو الحركة الى تقديم نوع من "براءة الذمة" امام القوى والمرجعيات اللبنانية.
ويشير بعض الذين شاركوا في اللقاءات مع وفد "حماس" ان الحركة ذات المنشأ الاخواني والتي كانت حتى الامس القريب نجمة الساحة الفلسطينية، قدمت خلال هذه اللقاءات وجهة نظر متكاملة تتصل بواقع الحال، واستطراداً برؤيتها لسبل المعالجة والمرحلة المقبلة،
وهي تقوم على الأسس الآتية:
- ان التحقيقات التي أجريت اخيراً أظهرت أن الانخراط الفلسطيني في اعمال والمجموعات الارهابية في لبنان وسوريا كان على مستوى افراد متحمسين وليس على مستوى جماعات وكتل، وابرز مثال على ذلك واقع الحال في كبرى مخيمات لبنان (عين الحلوة) حيث تبين للجميع ان الحالات "القاعدية" هي فردية موجودة في بعض الاحياء، وان هؤلاء مرصودون بدقة من جانب الفصائل الفلسطينية ومخابرات الجيش، بفعل التنسيق اليومي بين الجانبين الفلسطيني والأمني الرسمي.
- لم يعد للفلسطينيين في لبنان بعد الخروج منه في صيف عام 1982 اي مشروع خاص بهم، وبالتالي فان مرحلة ياسر عرفات وما تخللها من مشاريع وتحالفات ومشاركات قد انطوت الى غير رجعة، بل ان ثمة من تجرأ على انتقادها.
وثمة مشكلة تتجسد في أن بعض اللبنانيين لم يتحرروا بعد من النظرة السابقة للوجود الفلسطيني وما برحوا يعيشون وطأة هواجس مرحلة عقد السبعينات.
- لا مصلحة للفلسطينيين في لبنان بالتوطين ولا رغبة لديهم في ذلك، وقد أظهر الفلسطينيون اينما حلوا انهم متمسكون بحق العودة.
واضاف وفد "حماس" في هذا الاطار: "صحيح ان هناك في لبنان نحو 425 ألف لاجئ فلسطيني، ولكن هؤلاء مسجلون على الورق فقط إذ لم يتبق فعلياً منهم أكثر من 250 ألفاً والباقون غادروا الى أربع رياح الارض بحثاً عن سبل العيش لهم ولعائلاتهم المتبقية في لبنان".
- هناك مبالغات في الحديث عن "الاوضاع الشاذة" في مخيم عين الحلوة، فالمشاكل والجرائم فيه هي ضمن الحد الطبيعي لأي تجمع سكاني يضم هذا العدد الكبير.
- لا مصلحة لنا أو لغيرنا في الانحياز الى جانب هذا الفريق اللبناني أو مناصبة الفريق الآخر العداء، فنحن منتشرون في كل المناطق وبالتالي فمن مصلحتنا اليومية والوطنية ان نبقى على تواصل مع الجميع من دون استثناء وهذا ما نحرص عليه.
- أما عن علاقة "حماس" بـ"حزب الله" فهي حافظت الى حد بعيد على حالها، فلا هم فكروا بقطعها ولا نحن راغبون في ذلك رغم كل ما مر من تعقيدات وتباينات، لاسيما ان المشتركات والقواسم التاريخية والمستقبلية جوهرية.
- اننا نعتبر ان الحالة الراهنة في الساحة السورية غير مقبولة اطلاقاً وقد تحولت الامور عن مسارها الاساسي، والفلسطينيون في مخيم اليرموك يعيشون مأساة ليس لهم يد فيها، بمعنى انها ليست ناجمة بالاصل عن اشتباك فلسطيني – سوري. هناك هجوم على المخيم من مجموعات متطرفة، ورغم ان هذه المجموعات وجدت من يساندها، لكن الأكثرية هم ضدها وضد ممارساتها.
وأملنا الآن كبير في اعادة الاوضاع الى نصابها الطبيعي، ونحن لا يمكن أن ننكر أن الفلسطينيين في سوريا يتمتعون بحقوق محترمة قد لا تكون متوافرة لهم في أي بلد آخر، فهناك على سبيل المثال نحو 5 آلاف مدرس في محافظة دمشق وحدها ونحو 200 محام، فضلاً عن موظفين وعاملين في المؤسسات العامة. والاهم ان حالة الثلاثين ألف لاجئ الذين وفدوا الى لبنان من مخيم اليرموك والمخيمات الاخرى في سوريا لن تمكث في لبنان، إذ ان سبل العيش هنا ليست متوافرة لذا فهم سيعودون الى سوريا بمجرد ان تهدأ الاوضاع وتستقر الاحوال".
وحيال هذه الرؤية التي تقدمها "حماس" فإن ثمة من يرى ان الحركة ولجت الآن عتبة مرحلة جديدة وان ذلك دفعها الى سلوك هذا الدرب الذي لم تسلكه في السابق خصوصاً في ضوء معلومات تقول ان الحركة تريد أن تغادر خيارات الاعوام الثلاثة الماضية، وان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل ينتظر اشارة لزيارة طهران.

النهار

المصدر: 
النهار