بين مصر و"حماس"
بالتأكيد توجد ملاحظات كثيرة على حركة "حماس"، في سياساتها وتحالفاتها وإدارتها لقطاع غزة، كما في طريقة تعبيرها عن ذاتها إزاء التطورات الحاصلة في مصر، مع صعود حكم الإخوان أو مع عزلهم، إلا أن كل ذلك لا ينزع عنها طابعها كحركة وطنية فلسطينية، ولا يبرّر حظرها، أو اتهامها بأنها حركة إرهابية.
هكذا، فإن الحكم القضائي بحظر "حماس" في مصر لا يوجد له أي مبرّر أو سند قانوني، فهذا الحكم بمثابة قرار سياسي، مجحف ومتسرّع، وله علاقة بالتحولات السياسية في مصر، تماماً مثلما لم يكن يوجد أي مبرّر لمحاكمة الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، بدعوى "التخابر" مع جهات أجنبية منها "حماس".
وفي الواقع فإن قراراً كهذا ينمّ عن خفّة، لا سيما أننا نعرف بأن وجود هذه الحركة أو نشاطها في مصر كان يقتصر على الجوانب السياسية والإعلامية والإدارية، وأن صلات مصر معها كانت رسمية وشرعية وعلنية طوال عهد نظام مبارك، بغض النظر عن التباينات السياسية بين الطرفين، وأن وزارة الخارجية وإدارة المخابرات العامة، في مصر، كانتا ترعيان حوارات المصالحة الفلسطينية، منذ انقسام السلطة، بين الضفة وغزة (2007).
الآن، وعلى خلفية هذه الأزمة بين مصر و"حماس" ثمة خشية من ثلاثة منزلقات: أولها، أن تنطوي الحملة ضد هذه الحركة على أبعاد أكبر، بحيث تستهدف إشاعة مناخات معادية للفلسطينيين لدى الرأي العام المصري، لاسيما مع وجود حالات مثل هذه في وسائل الإعلام المصرية. وثانيها، أن تنعكس هذه الأزمة على الفلسطينيين في قطاع غزة، بحيث يجري تشديد الحصار المفروض عليهم، بعد تدمير الأنفاق، بانتهاج سياسة الضغط على "حماس" عبر الاستمرار في إغلاق معبر رفح، علما أنه المعبر الوحيد لحوالى مليوني فلسطيني مع العالم الخارجي. والثالث، أن يغتبط البعض في الساحة الفلسطينية لما يجري ظناً منه، في حساباته الضيقة، أن ذلك سيعزز مكانته في خصومته مع "حماس"، من دون الانتباه إلى أن ذلك سيصعّب حياة الفلسطينيين في غزة، وأنه قد يتطور إلى حالة عدائية ضد الفلسطينيين عموماً.
عموماً ليس من مصلحة "حماس" مفاقمة هذا الوضع مع مصر باللجوء إلى ردود فعل سياسية غير مدروسة، أو إلى تصريحات استفزازية، لأن ذلك لن يكون في مصلحتها، والأجدى لها في هذه الظروف التحلي بالصبر والهدوء والحكمة، والتركيز على الجهود نحو انهاء الانقسام. في المقابل فإن المصلحة الوطنية تقتضي من القيادة الفلسطينية، أي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، معالجة هذه الأزمة مع مصر، والتأكد من عدم انعكاسها على فلسطينيي غزة، بدلاً من التفرج على مايجري، في انتظار تحقيق "مكاسب" في الصراع على السلطة والمكانة مع حركة "حماس".
النهار