يحدث في فلسطين الآن
منذ ثلاث سنوات مضت، وبالتحديد في يوم الاثنين الموافق 4/1/2011 حذرت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث"، من مساع "إسرائيلية" متصاعدة تظهر على شكل فعاليات يهودية من أجل تسريع بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك، وقالت المؤسسة إن مواقع إلكترونية تابعة لليمين "الإسرائيلي" والتيار الديني نشرت أخباراً وصوراً تقول إنه في يوم الخميس (31/12/2010) عقد مؤتمر كبير حضره الآلاف في "مباني الأمة" غربي القدس، خصص لقضية الهيكل، وحضره تيار الحريديم، وتمحور حول العمل من أجل تنشيط وتفعيل إقامة الهيكل المزعوم، وأضافت أن البرنامج تخلله عرض شرائح من أحد "الربانيم" يجسد إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى خاصة في منطقة الجامع القبلي المسقوف، (مسجد عمر) .
في ذلك الوقت كان اليمين "الإسرائيلي" يناشد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الوفاء بما تعهد به سابقاً من إقرار صلاة اليهود في المسجد الأقصى، وإصدار تعليمات لوزير الشرطة لترتيب أداء اليهود للصلاة داخل المسجد، أما الآن فإن الرجاء تحول إلى واقع، فالحكومة هي التي تتقدم دعوات اقتحام الأقصى، والكنيست هو الذي يشرع عبر سلسلة طويلة من القوانين تحويل دعوة "تهويد فلسطين" إلى "دولة يهودية"، فقد اعتادت قوات الأمن "الإسرائيلية" اقتحام الأقصى، وهو الاقتحام الذي وصل إلى ذروته يوم 25 فبراير/ شباط الفائت باقتحام المسجد من جهة باب المغاربة، وقامت بإطلاق وابل من القنابل الصوتية تجاه المصلين والمعتكفين وطلاب مصاطب العلم، ما أدى إلى إصابة عدد كبير منهم باختناق، كما صعّدت المنظمات اليهودية التي تعمل لإقامة الهيكل المزعوم من دعواتها التحريضية لاقتحام المسجد قبل ساعات من عقد الكنيست جلسة لمناقشة فرض السيادة "الإسرائيلية" على المسجد الأقصى الذي تقدم به النائب المتطرف، موشيه فيغلن الذي يقضي ببسط السيادة "الإسرائيلية" الكاملة على الأقصى بدلاً من الأردنية، وهي الجلسة التي انتهت من دون تصويت أو مقترحات حيث أعلن رئيس الكنيست في ختامها عن تحديد موعد لاحق آخر لمقترحات القانون والتصويت .
ردود الفعل الفلسطينية والعربية لم تتجاوز الإدانات والمناشدات، أي لم تتجاوز الأطر التقليدية للمواقف العربية الرسمية والشعبية نحو القضية الفلسطينية وهو ما يكشف عن انصراف عربي شبه كامل عن كل ما يتعلق بما كان يسمى "الصراع العربي - الصهيوني" وبات يسمى "النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي" في الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي، وهو انصراف يبرر أحياناً بالانشغال بالهموم الداخلية في كل دولة عربية، فكل دولة عربية فيها ما يكفيها من المشاكل والهموم، لكن ذلك تعبير عن تحول في الإدراك العربي له أهميته نحو الصراع العربي - الصهيوني، حيث أضحى البعض مطبعاً مع الكيان علناً أو سراً، وبات الكثيرون يدركون أنه لا أمل من خوض صراع مسلح مع "إسرائيل" بعد أن تم تدمير معظم الجيوش العربية، وجار تفكيك دول وليس جيوشاً ضمن تداعيات ونتائج ما يعرف ب"الربيع العربي" .
للأسف الشديد معظم هؤلاء يتصورون أن الكوارث التي تحدث الآن في بعض الدول العربية من صراعات طائفية ودعوات تقسيمية هم في منأى عنها، أو إن الكيان الصهيوني ليس فاعلاً أصيلاً فيها، وأن الصمت على ما يحدث في فلسطين وما يحدث في دول عربية تواجه خطر الانهيار سوف يرتد إلى الجميع، ثم إن منظمات وجماعات تسمى ب"الجهادية" تحولت إلى طرف مباشر في الصراعات داخل الدول العربية متجاهلة تماماً ما يحدث في فلسطين من ضياع للمقدسات والأرض التي يعترفون أنها "أرض المحشر" متناسين شعاراتهم المدوية التي كانوا يطلقونها "على القدس رايحين شهداء بالملايين"، تحول رهان قادة الكيان الصهيوني إلى واقع أن ينصرف العرب عن الصراع مع "إسرائيل" ليتصارعوا مع أنفسهم وليتحول الصراع في المنطقة إلى صراع داخل الدول وليس إلى صراع بين الدول ليؤكد هؤلاء القادة الصهاينة للعالم أن ما يشهده الشرق الأوسط من صراعات ليس سببه وجود "إسرائيل" لكن سببه أن دول المنطقة مفعمة بعوامل وأسباب الصراع الداخلي لأنها تأسست على قواعد عدم التجانس العرقي والديني والطائفي، وأن الحل هو إعادة ترسيم الخرائط وإعادة تقسيم هذه "الدول الفاشلة" .
وهم بإصرارهم على اعتراف الفلسطينيين والعرب والمسلمين بأن "إسرائيل" دولة يهودية يهدفون إلى أخذ الشرعية لما يسمونه معركة التحرير والاستقلال اليهودية، فعندما يعترف الفلسطينيون بأن "إسرائيل" دولة يهودية، فإنهم يعترفون في اللحظة ذاتها بأنهم محتلون لأرض غيرهم، كما يعترفون بأن كل حروب "إسرائيل" ضد العرب هي حروب التحرير والاستقلال، ومن ثم يجب أن يحاكموا على ما ارتكبوه من جرائم ضد سكان البلاد الأصليين أي اليهود، ومن ثم يكون طرد كل العرب المقيمين داخل الكيان أمراً شرعياً، وليس جولة جديدة من فرض اللجوء على الشعب الفلسطيني كما يروج إعلام الفلسطينيين والعرب .
هذا هو جوهر مشروع فرض "إسرائيل دولة يهودية" وهم يتحركون خطوة خطوة نحو النجاح من خلال منظومة متكاملة من السياسات والإجراءات، في مقدمتها التوسع الاستيطاني السريع في كل القدس وإجبار ما تبقى من أهلها على النزوح، والتوسع الاستيطاني في معظم أنحاء الضفة الغربية المحتلة، وإلهاء السلطة الفلسطينية والنظام العربي في جولات متوالية من التفاوض لكسب الوقت، ثم التمدد في التهويد القانوني داخل الأراضي المحتلة وداخل فلسطين المحتلة عام 1948 أيضاً .
وجاءت مصادقة لجنة التشريع الوزارية في "إسرائيل" أيضاً يوم الاثنين 25/2/2014 على قانون يقضي بحظر تسجيل أي جمعية أهلية لا تعترف ب"إسرائيل" دولة يهودية لتكمل مشروع التهويد حيث يمضي الكنيست نحو تشريع ترسانة من القوانين العنصرية ضد العرب وتضييق هامش الحقوق والحريات بحقهم . فالقانون المشار إليه، وباعتراف منظمات حقوقية "إسرائيلية" هدفه "فرض الاعتراف بيهودية الدولة على الجمعيات الأهلية لفلسطينيي الداخل (عرب "إسرائيل") عنوة . ويكمل هذا المسعى المشروع الذي يعده النائب ليفين" وينص على أن "إسرائيل" هي "دولة الشعب اليهودي" وأن حق تقرير المصير القومي في دولة "إسرائيل" هو حق خاص بالشعب اليهودي، كل هذا يحدث في فلسطين ونحن خارج دائرة رد الفعل بعد أن هجرنا "دائرة الفعل" .