هل ينجح "مؤتمر باريس" في دعم لبنان؟
ساعات قليلية تفصلنا عن إنطلاق أعمال مؤتمر"المجموعة الدولية لدعم لبنان" التي تبناها مجلس الأمن رسمياً في 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، والذي تستضيفه العاصمة الفرنسية غداً في إطار جلستين، الأولى في قصر الإليزيه، والثانية والختامية في مقر وزارة الخارجية.
من حيث المبدأ التحضيرات والترتيبات لهذا المؤتمر قد انتهت، حيث من المقرر أن يشارك وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إضافة الى ألمانيا (لدورها في برنامج إستقبال اللاجئين السوريين) وإيطاليا وإسبانيا (لدورهما في قوات اليونيفل المنتشرة في جنوب لبنان) والنرويج وفنلندا (بسبب تقديمهما قرابة ال25 مليون دولار)، أما المملكة العربية السعودية فستكون ممثل العرب الوحيد في هذا المؤتمر (وذلك لتقديمها هبة بقيمة 3 مليار دولار لتسليح الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية)، إضافة طبعاً الى جامعة الدول العربية والإتحاد الأوروبي والبنك الدولي ومفوضية الأمم المتحدة لللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية.
واذا كانت الأهداف المعلنة والواضحة الثلاث لـ"مؤتمر باريس" هي دعم الجيش اللبناني، ودعم لبنان إقتصادياً ومالياً، إضافة إلى دعمه في إستيعاب قرابة المليون لاجىء سوري، فإن العقبات أمام نجاح هذا المؤتمر هي أهدافه نفسها... والسبب بسيط، كونها أهداف صعبة المنال إن لم نقل مستحيلة. فمثلاً، ضيوف هذا المؤتمر ومضيفوه يعلمون جيداً مدى صعوبة دعم الجيش اللبناني، والسبب هو النتيجة او المهام المطلوبة من جيش لبناني قوي.
فإذا كان الهدف من تسليح الجيش اللبناني هو الدفاع عن حدود الدولة، فهنا تصتطدم امال "مؤتمر باريس" بالفيتو الإسرائيلي الذي يحدد عملياً نوعية وكمية الدعم العسكري للبنان.. وذلك على الرغم من تأكيد مصادر فرنسية أن ليس هناك حدود تكنولوجية لما يمكن أن تقدمه باريس للبنان، وتأكيدها ان قيادة الجيش اللبناني هي من حددت حاجاتها العسكرية في عملية التسليح المرتقبة مع فرنسا من خلال الهبة السعودية .
اما إذا كان الهدف من وراء جيش لبناني قوي هو القدرة على السيطرة الداخلية أو الحسم الداخلي فهنا بالطبع ستصدم أمال "مؤتمر باريس" بفيتو قوي من حزب الله المسيطر عسكرياً في لبنان... حيث أن الحزب مارس ويمارس ضغوطاً على الجيش اللبناني لرفض الأخير هذا النوع من الدعم والعتاد العسكري، وذلك على الرغم من إعلان الحزب علانية على دعم الجيش وتمسكه بثلاثيته الذهبية "الجيش والشعب والمقاومة".
وخلاصة هذه النقطة أن الجميع يعلم أنه لا يمكن تقديم دعم جاد للجيش اللبناني، بل أن الجيش اللبناني لا يستطيع ان يقبل هكذا دعم للأسباب التي ذكرنا. وبالتالي فإن البعض بات يتسائل حاليأً عن كيفية نجاح "مؤتمر باريس" في دعم الجيش اللبناني، وعن الهدف الأساسي للهبة السعودية وإذا ما كانت هذه الهبة لدعم لبنان والجيش اللبناني أم لدعم فرنسا...
أما بالنسبة للهدف السامي الثاني ل"مؤتمر باريس" المتمثل بدعم لبنان إقتصادياً ومالياً فيبدو أنه هدف بعيد المنال ايضاً بل فشل مسبقاً وبإعتراف المنظمين... حيث تحدثت بعض المصادر الفرنسية عن توقعات بأن تترواح قيمة الدعم المالي للبنان من خلال هذا المؤتمر ب 50 او 60 مليون يورو، طبعاً إذا ما استثنينا الهبة السعودية ب 3 مليار دولار... وهي معظمها ستكون في اطار مشاريع لدعم التعليم ومكافحة الفقر وبالتالي لن تكون مساعدات مباشرة...
ومن هنا سؤال إساسي يدور في ذهن العديد من المتابعين وهو كيف يمكن ل"مؤتمر باريس" أن يدعم لبنان مالياً وإقتصادياً من خلال دعم مشاريع ب 50 او 60 مليون يورو فقط وهو البلد الذي يعاني من ازمات عدة ويسيطر الفساد على معظم إداراته...
واخيرأ، وفيما يخص الهدف الثالث المعلن للمؤتمر والمتمثل بدعم لبنان في مواجهة استمرار تدفق اللاجئين السوريين وإستيعابه لقرابة المليون لاجىء سوري، فلائحة الأسئلة طويلة ولا تنتهي... منها على سبيل المثال أي دعم يمكن أن يقدمه الحاضرون للبنان في هذا المجال؟ هل سيكون الدعم مالياً؟ أم ستفتح هذه الدول حدودها لاستقبال بعض الالاف من اللاجئين السورين وذلك بهدف تخفيف العبء عن لبنان المنهك من ثقل استيعاب قرابة المليون لاجىء، إضافة الى قرابة ال15 ألف لاجىء إضافي اسبوعياً (كما تقول مصادر رسمية فرنسية)؟ أم ستتفق القوى العالمية الحاضرة في "مؤتمر باريس" على حل جذري للأزمة السورية مما يحل مشكلة اللاجئين السوريين بشكل نهائي؟
إذاً تساؤلات كثيرة طرحت وتطرح حول إمكانية نجاح "مؤتمر باريس" غداً في دعم لبنان، وعن إمكانية تحقيق هذا المؤتمر للأهداف المرجوة منه وذلك على الرغم من الحشد الفرنسي الكبير له منذ شهورعدة...
فهل ينجح "مؤتمر باريس" غداً في دعم لبنان جدياً، أم سيكتفي برسالة دعم للحكومة اللبنانية يشدد من خلالها على التمسك باستقرار لبنان وسيادته وسلامة أراضيه وضرورة تحييده عما يجري في سوريا؟