إسرائيل: نقاش داخلي يجب أن يُتابع .. هوس الترانسفير: عود على بدء!

بقلم: 

خلصت دراسة إسرائيلية جديدة وفريدة من نوعها، إلى القول إن إسرائيل توقفت منذ زمن طويل عن انتهاج الخطاب الأخلاقي كباقي الدول المتنورة، وبرفضها هذا، فإنها، أصدرت الحكم على نفسها بأنْ تكون دولة معزولة عالمياً، ذلك أنها لا تستطيع مواصلة الرقص في حلبة الديموقراطية على ألحان رقصة الاحتلال، على حد تعبير باحثة، كشفت النقاب عن أن نظرية حديثة لتحليل الاحتلال الإسرائيلي، تؤكد بأن وضع السكان الفلسطينيين الذين يرزحون تحت نير الاحتلال، يشبه كثيراً وضع العبيد السود في أميركا في القرن الـ19، وأن الإسرائيليين المأسورين والمرتهنين لنظرية التوسع الاستيطاني، ليسوا على استعداد للاعتراف بذلك، كما قالت عالمة الاجتماع الإسرائيلية إيفا إيلوز، التي أعدت الدراسة ونشرتها في ملحق صحيفة (هآرتس).

وأضافت قائلة إن الإسرائيليين يتعاملون مع الفلسطينيين من منطلقات عسكرية فقط: إنهم جنود، هم أعداء ويجب هزيمتهم، ليسوا مواطنين عاديين، إنهم يشكلون خطراً على الإسرائيليين ويملكون الوسائل لذلك، يجب استعبادهم بالقوة، ويجب الانتصار عليهم بالضربة القاضية، لأن غير ذلك، سيكون بمثابة هزيمة للإسرائيليين.

هذه واحدة من حقائق لا يعترف بها إلا القليل من الإسرائيليين، في الوقت الذي تشهد إسرائيل ما يمكن أن نطلق عليه «إجماعاً صهيونياً على أنّ المشكلة الديموغرافية هي الخطر الأعظم الذي يتهدد أسس الكيان، وبشيء من مفارقات السخرية والتهكّم يقول البروفيسور أرنون سوفير أستاذ قسم الجغرافيا في جامعة حيفا، إنّه لا بأس من أن نُبقي حاجتنا من الفلسطينيين، لجهة استخدامهم في جمع القمامة، والعمل في البنية التحتية الرثة، وكذلك في توفير الخضار والفواكه لنا، وكذلك الخدمة في المقاهي والمطاعم.

علاوة على ذلك، يقترح سوفير على عجل، لإنقاذ التدهور السكاني اليهودي في إسرائيل، العمل على استيعاب أكثر من 200 ألف يهودي كل سنة. والأمر برأي سوفير يتطلّب، وعلى جناح السرعة، اتخاذ قرارات سياسيّة صعبة ولا رجعة عنها، بدءاً مثلاً من الطرد الجماعي، وكل ما خلا ذلك لا يفيد الإسرائيليين لا اليوم ولا غداً، على حدّ تعبيره.

وإذا كانت إسرائيل قد قامت إيديولوجيتها على مبدأ طرد السكان العرب وإحلال يهود مكانهم، فإنّ «مخازنها اليهودية» في الخارج بدأت بالنضوب، لجهة إمدادها بالصهاينة الراغبين في العودة إلى ما يُطلقون عليها «أرض الميعاد»، الأمر الذي جعل سوفير وأصدقاءه يعلنون تعويم الترانسفير الجديد، وطرد كل من فلسطينيي 1948، ومعهم فلسطينيو غزة والضفة الغربية أيضاً إلى الأردن والعراق، وتوطين الفلسطينيين حيث هم في الدول العربية ودول العالم كافة. وتحت عنوان (دولة تل أبيب تهديد لإسرائيل)، كتب أرنون سوفير يقول: إنّ إسرائيل ستُواجه خلال الـ15 عاماً المقبلة مخاطر انهيار داخلي مريع، يتهددها أكثر من القنبلة النووية الإيرانية والجيوش العربية مجتمعةً، يتمظهر ذلك في فقدان السيطرة على أطرافها، وفي إطار اختزال تمركز ذاتها في دولة تل أبيب، على حدّ وصفه.

وفي السابع عشر من شباط (فبراير) تساءل كاتب إسرائيلي يدعي عوزي برعام، عما إذا كانت إسرائيل قد ورثت نظام الأبارتهايد من جنوب أفريقيا، في تأكيد منه على ذلك، وحيث يتجه الفلسطينيون بصورة متزايدة نحو اعتماد نموذج جنوب أفريقيا، القائم على المقاومة الشعبية في الداخل، والدعوة إلى مقاطعة دولية لإسرائيل من الخارج، وذلك في أعقاب مضي مجموعة من الناشطين الفلسطينيين بتنظيم العديد من الأنشطة التي تنامت مع الوقت مولدة أشكالاً متنوعة من المقاومة الشعبية السلمية، التي كانت بدأت بقرية بلعين الصغيرة عام 2004، وامتدت إلى عدد أكبر من القرى والتجمعات، ثم تحولت إلى تنظيم أنشطة رمزية مركزية، مثل إقامة قرى في مناطق مهددة بالمصادرة، أو إعادة إحياء قرى مهجرة وغيرها.

وتترافق هذه الأنشطة مع حملة دولية لمقاطعة إسرائيل، تقودها لجنة واسعة تمثل القوى السياسية، وناشطين ومتطوعين غالبيتهم من الأكاديميين. وبدأت جهود اللجنة التي شارك في تأسيسها ممثلون عن 170 منظمة غير حكومية، تحقق نتائج ملموسة تتمثل في استجابة مؤسسات أكاديمية واقتصادية وسياسية ونقابية حول العالم مع دعواتها لمقاطعة المستوطنات ومنتجاتها، والمؤسسات الإسرائيلية التي لها فروع في المستوطنات.

وفي الفترة الأخيرة توجت جهود الفلسطينيين الداعية الى مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها والمؤسسات العاملة فيها، بإعلان الاتحاد الأوروبي وقف كل أشكال الدعم والتعاون مع مؤسسات تعمل في المستوطنات ابتداء من العام الحالي، وإلزام إسرائيل إظهار منشأ كل سلعة تصل إلى السوق الأوروبي لتمييز سلع المستوطنات عن السلع المنتجة في إسرائيل. وبيّنت منشورات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية ظهور تراجع كبير في صادرات المستوطنات من المنتجات الزراعية العام الماضي بنسبة 50 في المئة، وتراجع صادراتها الصناعية والتجارية بنسبة 14 في المئة.

وأشارت معطيات الدائرة إلى تراجع نمو الاقتصاد الإسرائيلي العام الماضي بنسبة 3.3 في المئة، وهو الأدنى في الأعوام الأربعة الماضية، وذلك على الرغم من بدء إنتاج الغاز الطبيعي الذي ساهم وحده بنمو الاقتصاد بنحو 0.9 في المئة. وبيّنت الإحصاءات تراجع مجمل التصدير بنسبة 0.1 في المئة، وتراجع الصادرات الصناعية بنحو 3.5 في المئة. وشهدت المقاطعة الأوروبية للمؤسسات الإسرائيلية التي تتعامل مع المستوطنات في العام الأخير خطوات غير مسبوقة ألحقت ضرراً بالغاً بالاقتصاد الإسرائيلي.

على الرغم من كل ذلك يصر قادة هذا الكيان على الطابع الديني (اليهودي) بما يحمله من عنصرية ونقض للديموقراطية، حيث يكمن الهدف الرئيسي الوحيد من وراء مشاريع القوانين التي يجري إقرارها في الكنيست وفي مؤسسات هذا الكيان، لتقوية الصبغة اليهودية لإسرائيل، وتقليل الصبغة الديموقراطية. بحيث يجري إلزام المحكمة العليا الإسرائيلية بتفضيل اليهود على فلسطينيي الداخل، وهو الأمر الذي يتناقض جوهرياً مع ما يسمى «وثيقة استقلال إسرائيل»، التي جاء فيها أنه لا فرق بين مواطن ومواطن من الناحية القومية والدينية والإثنية.

وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن القانون المُسمى بـ»قانون الشعب أو القوم»، هو مشروع قانون ينضح بالعنصرية، ضد المواطنين العرب ووجودهم في وطن الآباء والأجداد. ويطلق على القانون اسم «إسرائيل: الدولة القومية للشعب اليهودي»، بمعنى أنه يعتبر اليهود في العالم شعباً، وهذا يعني أن حق السكن والتوطن في إسرائيل، يقتصر على اليهود فقط، ويثبت القانون رموز الدولة المعروفة بالإضافة إلى نشيدها ذي التعابير الصهيونية والمتزمتة، ويلغي صفة الرسمية عن اللغة العربية، ويمنحها مكانة خاصة للناطقين بها لدى توجههم إلى خدمات الدولة، بمعنى مثلاً شطب كل القوانين التي تلزم بالنشر الرسمي باللغة العربية مثل الإعلانات الرسمية ولافتات الشوارع وغيرها. كذلك فإن القانون يعتبر الشريعة اليهودية مصدر التشريعات، كما أن الشريعة تكون مرجعية لجهاز القضاء الإسرائيلي في حال واجه قضية ليس لها جواب في القانون الإسرائيلي القائم، وغيرها من البنود.

تلك عنصرية موصوفة وأكثر من أبارتهايد، لا سيما وأن إسرائيل تعتبر المشكلة الديموغرافية هي الخطر الأعظم، ما يعني ضرورة تدخل الترانسفير في محاولات دؤوبة على مر السنين منذ أكثر من ستين عاماً لإيجاد حلول ناجعة لما يقض مضاجع كيان استعمار استيطاني إحلالي، لا ولن يطمئن إلى وجود النقيض (الفلسطيني) يشع حيوية وحياة، بطول الوطن التاريخي وعرضه.

المستقبل