مُصطلح «الدولة اليهودية» بين القوننة والتوظيف السياسي
ثمة تشابك وتداخل بين التعابير التالية: «دولة يهودية» و»دولة صهيونية» و»دولة اليهود». ويُعد اصطلاح الدولة اليهودية مرادفاً لمصطلح «الدولة الصهيونية» الأكثر دقة إذ يفترض المصطلح الأول أن دولة إسرائيل هي استمرار للمملكة العبرانية المتحدة التي يُشار إليها بـ(الكومنولث الأول). كما أن الاصطلاح يفترض وحدة اليهود في العالم، وأن هذه الدولة دولتهم التي تعبِّر عن إرادتهم وتطلعاتهم، وهذا أبعد ما يكون عن الصحة إذ لا تزال دولة إسرائيل هي دولة 20% من يهود العالم وحسب.
وعلاوة على كل هذا، يفترض المصطلح أيضاً يهودية هذه الدولة، وهذا أمر محل نقاش حتى في إسرائيل نفسها. فالدولة الصهيونية لا ترتبط بأي قيم أخلاقية يهودية، بل تسلك حسبما تملي عليها مصلحتها العملية. ولعل إيمانها بمصلحتها العملية هو الذي جعلها تحوِّل نفسها إلى ثكنات عسكرية يصعب وصفها باليهودية. ويُلاحَظ أن سكان إسرائيل من الصابرا لا يشعرون بالانتماء اليهودي، بل إن بعضهم يُكن الاحتقار ليهود العالم (الدياسبورا) الهامشيين. ولعله أمر طريف حقاً أن هذه الدولة التي تصف نفسها باليهودية لم تصل بعد إلى تعريف لليهودي.
وقد استخدم مصطلح الدولة اليهودية في الوثائق التاريخية التالية: أدبيات المؤتمر الصهيوني الأول 1897. وعد بلفور وتبنيه وصك الانتداب البريطاني على فلسطين وقرار التقسيم . فقد نص أهم قرارات المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897، تشجيع «الاستيطان اليهودي» في فلسطين، وتأسيس «الصندوق القومي اليهودي».
وأوصت بريطانيا الأمم المتحدة في عام 1947 بإلغاء الانتداب على فلسطين في 15 أيار / مايو 1948، على أن يعقب ذلك إقامة «دولة يهودية مستقلة» و»دولة فلسطينية مستقلة»، وقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 وجوب إقامة دولتين في فلسطين: دولة يهودية ودولة عربية، وأن قيام دولة يهودية هو حق طبيعي للشعب اليهودي!.
وجاء في إعلان «الاستقلال» الصادر في يوم انتهاء الانتداب البريطاني 14 أيار/مايو 1948: نجتمع لنعلن بهذا قيام دولة يهودية على أرض إسرائيل، تدعى إسرائيل»، ومضى البيان معلناً فتح أبواب الهجرة اليهودية وجمع الشتات اليهودي. وجاء أن الهدف الرئيس من إقامة الكيان اليهودي هو جعله «دولة لليهود» المقيمين فيها أو في أي مكان آخر في العالم، وأعلن أن لكل يهودي في العالم الحق في المجيء إلى تلك الأرض المغتصبة والإقامة فيها ونيل الجنسية التي تسمى «الإسرائيلية».
ونص قانون العودة على التالي:»دولة إسرائيل ستكون مفتوحة أمام الهجرة اليهودية ولجمع الشتات، وستعمل على تطوير البلاد لصالح كافة سكانها»وبحسب إعلان الاستقلال وقانون العودة فإنها تعد نفسها «دولة الشعب اليهودي»، وأهم أنظمة قوانين الكيان الصهيوني التي يطلق عليها قوانين الدولة تكرر كلمة يهودي مراراً لتأكيد يهودية الدولة، ويسجل في هوية كل يهودي داخل فلسطين المغتصبة أنه ذو «قومية يهودية»؛ لتكريس الهوية اليهودية لهذا الكيان.
ولم يختلف قانون الجنسية الذي صدر عام 1952 وتعديلاته عن منطق قانون العودة، فاشترط ضرورة تماثل المواطنة مع الانتماء اليهودي، وحرم تعديل القانون الصادر عام 2003، الفلسطينيين المتزوجين بمواطنات إسرائيليات أو العكس من حق الحصول على الجنسية الإسرائيلية أو حتى تحصيل إقامة دائمة أو أي مكانة قانونية، ووسع تعديل القانون الصادر عام 2007 شريحة الممنوعين من لمّ الشمل لتشمل مواطني الدول المعادية. كما نص قانون أساس: الكنيست الصادر عام 1958، وقانون أساس: كرامة الإنسان وحريته الصادر عام 1992، على أن إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية. وفي عام 2003 صدر قرار من الكنيست يدعو إلى ضرورة تعميق فكرة يهودية الدولة.
وقدم رئيس الائتلاف في الكنيست، ياريف ليفين، ورئيسة كتلة «البيت اليهودي»، عضو الكنيست أييليت شاكيد، في إطار الاتفاق الائتلافي بين كتلتي «الليكود بيتنا» و»البيت اليهودي»، في 24 حزيران 2013، صيغة مشتركة بلوراها لمشروع «قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»، وتهدف إلى تعزيز الطابع اليهودي لإسرائيل وتفضيله على النظام الديمقراطي.
ورغم أن صيغة مشروع القانون الجديد تعتبر أكثر ليونة قياسا بمشروع القانون الذي قدمه الوزير وعضو الكنيست السابق عن حزب كاديما، آفي ديختر، إلا أن مشروع القانون الذي يطرحه ليفين وشاكيد ينص على أن إسرائيل هي «البيت القومي للشعب اليهودي»، وأن «الحق في تقرير المصير في إسرائيل يسري فقط على الشعب اليهودي». وينص مشروع القانون الجديد على أن «أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي فقط»، ويرفض الاعتراف بأن هذه البلاد هي وطن الفلسطينيين.
ويفضل مشروع القانون الجديد يهودية الدولة على ديمقراطيتها بشكل واضح، وذلك من خلال وضع بند خاص بشأن النظام الديمقراطي في إسرائيل. وينص القانون على أن الدولة ستلتزم بالحقوق الشخصية لجميع مواطنيها، ما يعني رفضهم لوجود حقوق للأقلية القومية العربية.
ويدعي ليفين وشاكيد أنهما خففا صيغة مشروع القانون الذي قدمه ديختر، بأن ألغيا خضوع ديمقراطية الدولة ليهوديتها. لكن مشروع القانون الجديد يبرز بشكل كبير، في بدايته، العلاقة بين «الشعب اليهودي» والدولة والبلاد على حساب قوميات أخرى ويضع البند المتعلق بالنظام الديمقراطي في المرتبة الثانية. وأزيل من مشروع القانون الجديد البند الذي نص في مشروع قانون ديختر على أن اللغة العربية لن تكون لغة رسمية.
وجاء في تفسير مشروع القانون أنه «وُلد على أثر الحاجة لإجراء توازن بين قسم الدولة اليهودية والديمقراطية، مثلما تم التعبير عنها في روح مبادئ الإعلان عن دولة إسرائيل». ونص على أن دولة إسرائيل لا يمكنها أن تقوم في أي مكان غير «أرض إسرائيل».
وفيما ادعى مشروع القانون أنه يضمن المساواة في الحقوق المدنية لجميع مواطني إسرائيل، إلا أنه اعتبر أن «هناك جهات داخلية وخارجية تحاول المس بطبيعة الدولة في السنوات الأخيرة، وتحويلها إلى دولة جميع مواطنيها. ودولة إسرائيل قامت كدولة قومية للشعب اليهودي، وهكذا يجب أن تبقى. وعلينا أن نمنع ونقضي على التراجع المتواصل في الأسس اليهودي للدولة».
من جانبها، رفضت عضو الكنيست روت كلدرون، من حزب «يوجد مستقبل»، الانضمام إلى مشروع قانون ليفين وشاكيد، وطرحت، في اليوم نفسه، مشروع قانون بشأن الموضوع نفسه. ويتبنى مشروع القانون الذي قدمته كلدرون بنود «وثيقة استقلال إسرائيل» كقانون أساس. وينص على تعريف دولة إسرائيل أنها «دولة الشعب اليهودي» وأن تحافظ على حقوق الإنسان لجميع مواطنيها.
وينص مشروع قانون كلدرون هو الآخر على أن إسرائيل هي «دولة الشعب اليهودي»، لكنه اعتبر أن «مصطلح الدولة اليهودية لا يتعامل مع اليهودية كدين، وإنما مع الدولة القومية والثقافة اليهودية، وتشكل موطنا لليهود في العالم كله. وإلى جانب ذلك، دولة إسرائيل ملزمة بالحفاظ والدفاع عن حقوق الإنسان لجميع مواطنيها وسكانها، دون فرق بين الأصل والدين والجنس.
وقد وجهت المنظمات الحقوقية في إسرائيل انتقادات شديدة لمشروع «قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي»، لكونه قانون عنصري ويميز ضد الأقلية العربية في إسرائيل، وفي حال سنه فإنه سيغلق الباب أمام مطلب تحقيق المساواة.