نتنياهو إلى الأقصى!

بقلم: 

 

رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس مشروع اتفاق الإطار الذي تقدم به وزير الخارجية الأميركي جون كيري. الرفض جاء بعد اجتماعين عقدهما الرجلان في باريس ثم كان لقاء للرئيس الفلسطيني مع الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند. أبو مازن كان واضحاً في رفض يهودية الدولة التي أصرّ عليها كيري وأعلن ممثله السفير الأميركي في إسرائيل دان شابيرو أن هذا البند أساس ثابت في السياسة الأميركية! والتزام أميركي لا عودة عنه! يعني سياسياً، أخذ نتنياهو هذه الورقة! ورفض بنوداً أخرى. يتعامل بانتقائية مع مشروع الاتفاق لكن الأساس أخذه ويعود إلى التفاوض على الباقي في سياسة قضم ومصادرة ووضع يد سياسية على المفاوضات، وبالتالي على نتائجها!

 

أبو مازن كان قد أراد توجيه إشارات إيجابية للأميركيين والأوروبيين والمجتمع الدولي. إلا أن نسبة الازدياد السكاني في صفوف العرب في إسرائيل كبيرة وتبقى إسرائيل متيقظة لهذا الأمر وتعتبر أنه يمثل «قنبلة ديموغرافية» في وجهها وبالتالي حتى لو لم يعد اللاجئون فإنها ستعمل على ترحيل قسم من الموجودين في الداخل كتكريس ليهودية الدولة وفرض شروط على المقيمين على «أراضيها»!

 

وكيري أكد أنه «لا يحق الاعتراف بمسؤولية إسرائيل عن قضية اللاجئين». هذا نسف للأساس. وكأن الفلسطينيين هم الذين هجروا أنفسهم وقتلوا بعضهم واقتلعوا عائلاتهم من أراضيهم طوعاً وعن سابق تصور وتصميم وتركوا بلادهم واخترعوا إسرائيل وبالتالي هم المسؤولون عن قضية اللاجئين. وفوق ذلك العرب هم المسؤولون عن «اللاجئين اليهود» الذين «طردوا» من الدول العربية وعادوا إلى الأرض الأم!

حاول كيري أن يقنع الفلسطينيين بالموافقة على مشروع الاتفاق الذي لم يشر إلى طرف دولي ثالث لضمان الأمن (الفلسطينيون اقترحوا قوات الناتو) وأبقى قضية القدس غامضة. وقال لأبو مازن: «بإمكانك أن تتحفظ على بعض البنود التي لا تقبلها». عملياً، إذا تحفظت إسرائيل على بند فهي أخذت الأساس كما قلت وستأخذ لاحقاً ما تحفظت عليه الآن. أما إذا تحفظ الطرف الفلسطيني فهو خسر سياسياً ما أخذته إسرائيل الآن بالتزام أميركي وألماني (أكدت المستشارة الألمانية ميركل في زيارتها وقبلها أنها تؤيد مطلب يهودية الدولة) وبالتزام أوروبي، وسيخسر الطرف الفلسطيني لاحقاً ما تحفظ عليه. هذه هي المفارقة. هذه هي المعادلة. وتستمر إسرائيل في التوسع والاستيطان واتخاذ كل الإجراءات التي تراها ضرورية لحماية أمنها!

 

أمام الأفق المسدود، يحاول كيري دعوة الطرفين إلى واشنطن، للجلوس معاً وإيجاد مخرج. لا مخرج يؤدي إلى نتائج عملية. المخرج الوحيد هو الاتفاق على تمديد المفاوضات إلى ما بعد أبريل موعد انتهاء الجولة الحالية، على أن تخفف إسرائيل من الاستيطان، وتمتنع السلطة الفلسطينية عن الذهاب إلى المنظمات الدولية، خصوصاً منظمات الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية. يعني أن تتخلى السلطة عن أوراق الضغط التي تمتلكها واقعياً، وفي مقابل ذلك يمكن مدّ السلطة بمساعدات مالية مدروسة تحت عنوان تحسين الوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي وذلك تداركاً لقيام انتفاضة جديدة قد تربط إسرائيل، غير الخائفة من صِدام دموي معها في رام الله ومن الواقع العربي المبتعد عن القضية الفلسطينية. فالتركيز هو على إيران، وعلى سوريا. وفي هذين الأمرين تمارس إسرائيل أقصى درجات الابتزاز للعرب وللعالم!

 

فيهذا الوقت، تجدّد التهديد للمسجد الأقصى. فعضو الكنيست موشيه فيجلن قال: « هذا المكان لليهود وعلى العرب الرحيل إلى الجزيرة العربية. هناك موطنهم الأصلي. إن قبة الذهب لمسجد قبة الصخرة هي قبة لمعبد يهودي وليست لمسجد للمسلمين». ونجح في وضع اقتراح على جدول أعمال الكنيست ينص على نقل السيادة على المسجد الأقصى من دائرة الأوقاف الإسرائيلية إلى وزارة الأديان اليهودية لتبدأ بتحويل المسجد إلى مكان عبادة لليهود! وبالفعل وبعد تجميد لمدة معينة بدأ تحريك هذا المشروع في الكنيست للبت فيه، وترافق ذلك مع حركة ميدانية مباشرة داخل الحرم من خلال الاعتداء المباشر عليه من قبل عدد من الإسرائيليين! مع الإشارة إلى أن الاتفاقية الأردنية- الإسرائيلية تبقي للأردن حق الوصاية على الحرم. ومع ذلك يريد الإسرائيليون تجاوز الاتفاقات المعقودة وفرض أمر واقع جديد محصّن بالتشريع! الأمر الذي أدى إلى اتخاذ قرار في البرلمان الأردني -غير ملزم- يطالب بطرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب السفير الأردني من إسرائيل.

 

نحن أمام هجوم إسرائيلي سياسي دبلوماسي أمني إعلامي خطير يحاول استيعاب حملة المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية المستمرة ضد إسرائيل والتي كلفتها مليارات الدولارات حتى الآن إضافة إلى الخسارة المعنوية الكبيرة. وفي سياق هذا الهجوم تندرج الحملة على الرئيس الفلسطيني أبو مازن، الذي تم تهديده سابقاً من قبل الوزيرة تسيبي ليفني، والذي بدأوا ينظرون إليه على أنه ليس شريكاً في عملية السلام بما يذكر بما جرى مع الرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي هدّدوه ثم سمّموه وقتلوه بعد حملة مركزة عليه تحت العنوان ذاته الذي يستهدف أبو مازن اليوم.

 

يحضرني هنا ما نشره الكاتب الفرنسي ‏Vincent Nouzille  في كتابه الأخير عن أسرار العلاقات الأميركية- الفرنسية الذي كشف محضر لقاء جمع بين الرئيسين السابقين جاك شيراك وجورج بوش في سنة 2004. ففي محطة من الحديث يورد الكاتب استناداً إلى التقرير الرسمي أن شيراك نبّه بوش إلى أن: « استراتيجية تصفية الرئيس عرفات لن تؤدي إلا إلى خيارين: تقوية حماس والفوضى. وعندما تلغي المحاور الفلسطيني الوحيد القادر على توقيع اتفاق مع إسرائيل فهذا يعني أننا سنكون أمام استحالة للوصول إلى اتفاق». أجاب بوش: « لست موافقاً . هناك احتمال ثالث لم تتطرق إليه. وهو بروز قائد فلسطيني جديد. التجارب أثبتت أنه لا يمكننا الرهان على عرفات».

 

إذاً، عندما نبّه شيراك إلى خطر تصفية عرفات فهو كان يعلم أن الموضوع مطروح من قبل شارون وعصابته آنذاك. وحاول ثني الأميركيين عن السير في هذا المشروع فكان جواب بوش واضحاً.

 

هم يؤيدون هذا الخيار والبديل جاهز. وهذا يكشف خلفية التفكير الإسرائيلي- الأميركي.

 

ترى، هل ينتهي الساعون إلى اتفاق إطار فلسطيني- إسرائيلي كما يطرحه كيري، إلى اتفاق إطار ضد مطالب القيادة الفلسطينية؟ ويطلق يد إسرائيل؟ يبدو أن نتنياهو قرر الذهاب إلى الأقصى مسجداً ومدىً.

 

 

المصدر: 
الاتحاد