مشروع كيري يتأرجح بين طبخة حصى أو تسوية تاريخية

بقلم: 

أثارت تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام وفد من طلاب الجامعات الإسرائيلية في مقر المقاطعة في رام الله، حول عدم نيته إغراق دولة إسرائيل بملايين اللاجئين الفلسطينيين، لأنه يعلم أن ذلك سيؤثر على تركيبتها الديمغرافية، عاصفة من الانتقادات الفلسطينية الداخلية.

وأعربت حركة حماس على لسان أحد قياديها، بأن تصريحات عباس حول حق العودة، هي اعتراف واضح وعملي بـ» يهودية إسرائيل»، وقبول مسبق بمقترحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وعبرت عن أسفها لقيام رئيس السلطة الفلسطينية بالمساومة على حق مهم من حقوق الشعب الفلسطيني وهو «حق العودة» من أجل استعطاف المجتمع الصهيوني واسترضائه وللتعبير عن مرونة، خارجة عن السياق الوطني العام الذي تُجمع عليه كل مكونات وفصائل الشعب الفلسطيني. وأشارت إلى أن رئيس السلطة يتحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية حول أي قرار يمس من قريب أو بعيد حق العودة وهو يتحمل كامل المسؤولية عن عذابات اللاجئين في مختلف مناطق تواجدهم. أهم من ذلك، اعتبرت حماس بأن ما قاله عباس ليس زلة لسان، او مسألة عفوية، إنما رسالة واضحه الهدف والعنوان، وموقف رسمي مطبوخ، يعكس ما يدور خلف الأبواب المغلقة في مقر- المقاطعة -، وتجلي التوجهات الحقيقية لسلطة فتح بما يتعلق في ملف المفاوضات الجارية فصولها الآن.

ولكن القيادة الفلسطينية رفضت هذه الاتهامات، وفي إطار تفسير لما قاله محمود عباس، أوضح مسؤول فلسطيني كبير، بأن الرئيس استند في تصريحاته، إلى تقديرات فلسطينية تتوقع عدم رغبة الكثير من اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى أراضي 48، في ظل إدراكهم بوجوب ترديد السلام الوطني الإسرائيلي كل صباح، وأنه يجب عليهم تأدية الخدمة العسكرية، وكذلك الالتحاق في صفوف الشرطة، كما أنهم سيرفضوا العودة وتدريس المنهج الإسرائيلي لأبنائهم، وقبل كل شيء يدركون بأنهم لن يعودوا إلى منازلهم في حيفا ويافا.

كما كشف عضو مركزية فتح جمال محيسن- أن سيناريوات حل قضية اللاجئين، كانت مطروحة منذ مفاوضات كامب ديفيد كلينتون -، وأنه جرى التفاهم حول تخيير الفلسطيني اللاجئ: اما عودته الى اراضي السلطة الفلسطينية «67» مع تعويض أو بقائه في المكان المتواجد فيه مع الحصول على تعويض أو انتقاله للعيش في بلد آخر «الدول تكون محددة» مع حصوله على تعويض او انتقاله للعيش في اراضي الـ 48 مع حصوله على تعويض مؤكداً ان النقطة الاخيرة هي التي تعارضها اسرائيل وتتذرّع بذرائع مختلفة وان الجانب الاسرائيلي يطرح عودة الى اراضي 48 في شكل انساني ولمّ شمل فقط وهو ما ترفضه القيادة الفلسطينية.

وعلى كل حال، الرئيس الفلسطيني يعلم بأن أي زعيم فلسطيني لا يملك التنازل عن حق العودة، ولكنه يعلم أيضا بأن عودة ملايين الفلسطينيين إلى اراضي 48 هو أضغاث أحلام، ولكنه يريد وضع ملف اللاجئين الفلسطينيين على طاولة المفاوضات مع كيري، لضمان حقوقهم وحياة كريمة لهم في أي تسوية قادمة، وهو يقول بأن لديه أفكارا خلاقة ترضي كافة الأطراف في هذه القضية الشائكة والمعقدة.

الاشتباك والسجال السياسي، حول سيناريوات أي تسوية سياسية محتملة مع الدولة العبرية، ليست فقط فلسطينية - فلسطينية، بل أن الأمر يطال بالتوازي الداخل الإسرائيلي.

زعيم حزب البيت اليهودي والوزير في حكومة نتنياهو، نفتالي بينيت، هاجم جدوى مفاوضات السلام التي تُجريها حكومته مع الفلسطينيين برعاية جون كيري، في كلمته أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية حيث قال: «حينما نشاهد دولا عربية من حولنا تنهار، لا أرى فائدة في التخلي عن المزيد من الأراضي، ولنعرف ماذا سيجري حين تقام دولة فلسطينية على بعد 10 دقائق من القدس !!!. كما رفض الوزير بشدة فكرة إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من الضفة الغربية كما جاء في خطة كيري، مدعيا بأن:

«إسرائيل ليست محتلة ليهودا والسامر، لأنه من غير الممكن أن تحتل بيتك. كل شخص يستطيع أن يفتح التوراة ليرى أن «بيت إيل» ونابلس كانتا قبل آلاف السنين بيتنا. اليهود في يهودا والسامرة لن يغادروا لأي مكان»!!!.

أما وزير الاستخبارات الإسرائيلي يوفال شطاينتس، فقد اتهم أبو مازن بتضليل الرأي العام، عبر استخدامه لدبلوماسية الابتسامات - وعقب شطاينتس على رسائل المصالحة التي بعثها محمود عباس خلال استقباله الوفد الإسرائيلي : بأن أبو مازن تعلم من روحاني الخداع وطريقة هجوم الابتسامات. كما أكد على أن حكومته لن تقبل بعودة لاجئ واحد.

في المقابل، فإن تسيبي ليفني المسؤولة عن ملف المفاوضات، أكدت بأن «عدم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يعني انتهاء الصهيونية والدولة اليهودية والديمقراطية«، وأكدت ليفني في مؤتمر الجاليات اليهودية، أن الأغلبية من سكان إسرائيل يؤيدون التوصل إلى اتفاق يضمن مصالح إسرائيل، اما الأصوات التي نسمعها هي أصوات الذين يعارضون التوصل إلى اتفاق، لأنهم يفضلون أرض إسرائيل على دولة إسرائيل، لكنهم لا يتحدثون عن ثمن أيديولوجيتهم، انتهاء الصهيونية ودولة يهودية وديمقراطية.

كل هذا الصخب السياسي والإعلامي حول بنود خطة كيري، تشي بأن هناك أقطاب مؤثرة داخل المعسكر الإسرائيلي وداخل المعسكر الفلسطيني تتمنى فشل كيري، كل لحساباته الخاصة.

ولكن الموقف الفلسطيني الرسمي يعتبر بأن الجهود الذي يقودها كيري، هي الفرصة الأخيرة لتحقيق خيار الدولتين، وهو يتعامل بإيجابية كبيرة مع تلك الجهود من دون التفريط بالثوابت الفلسطينية، وفوق كل ذلك، فإن الجانب الفلسطيني لا يريد تحميله مسؤولية فشل المفاوضات.

وتشير التسريبات بأن جون كيري عرض خطة إطار معدلة أو ما يمكن تسميته مبادئ عامة خلال اللقاء الثلاثي الذي جمعه مع الرئيس أبو مازن ووزير الخارجية الأردني ناصر جوة في باريس. ويسعى كيري إلى دفع الطرفين إلى تحويل المبادئ العامة إلى اتفاق إطار جديد خلال الفترة القادمة من المفاوضات، بعدما وجد صعوبة بالغة في فرض مسودة اتفاق إطار- على الجانبين. وكان كيري قد حمل معه في وقت سابق مشروع إطار تم رسم ملامحه كالتالي:-

إقامة دولة فلسطينية على مساحة من الارض تساوي المساحة التي احتلت عام 1967، واعتراف فلسطيني بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، مقابل اعتراف اسرائيل بفلسطين دولة قومية للشعب الفلسطيني، وعلى تفهم الادارة الاميركية لحق الفلسطينيين في اقامة عاصمة لهم في القدس الشرقية - لاحظ كلمة تفهم -، وعلى ضم الكتل الاستيطانية الى اسرائيل في عملية تبادل للأراضي، وعلى وجود قوات أمن رباعية أميركية - اسرائيلية - أردنية - فلسطينية على الحدود الشرقية خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، وعودة عدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل وفق خطة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون.

ولكن نتنياهو عارض معظم ما جاء في مسودة الاتفاق الذي قدمه كيري: فقد عارض منح الفلسطينيين مساحة من الارض تساوي نفس مساحة الضفة الغربية عند احتلالها عام 67، واقامة عاصمة لهم في القدس الشرقية القدس، وانتشار قوات رباعية على الحدود مع الاردن، وعودة عدد من اللاجئين الى اسرائيل وفق خطة كلينتون.

في المقابل، رفض الرئيس عباس الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، واقامة عاصمة فيما بدا انه اجزاء من القدس الشرقية أو في ضواحيها، وعودة رمزية للاجئين، واقامة دولة على مساحة تساوي مساحة الضفة من دون ذكر نسبة تبادل الاراضي وضم الكتل الاستيطانية من دون تحديد مساحتها، وعدم اشتمالها على تفكيك المستوطنات الباقية.

وفي رسالة بعثها أبو مازن إلى الرئيس الأميركي، طالب فيها أن ينص مشروع الاتفاق على اقامة دولة فلسطينية على حدود العام 67 مع تبادل طفيف للأراضي متساوي المساحة والنوعية، وان تكون القدس الشرقية كلها عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، او جعل كل القدس مدينة مفتوحة للجميع على ان يقام في الجزء الشرقي منها بلدية فلسطينية وفي الجزء الغربي بلدية اسرائيلية، مع اقامة إطار تنسيقي بينهما. وفيما يتعلق بيهودية الدولة، أكد أبو مازن أن هذا الطلب تعجيزي، وإنه بإمكان إسرائيل ترحيل هذا الطلب إلى الأمم المتحدة وليس إلى الفلسطينيين.

ويأمل الفلسطينيون بأن يتمكن كيري من تحقيق ما هو مطلوب منه، وليس ما يمكنه القيام به، وأوضح صائب عريقات في برنامج حواري بان الفلسطينيين يفهمون أن مصطلح - ما هو ممكن - يعنى في السياسة الخارجية لأميركا ما يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، القبول به، وما لا يمكنه القبول به.

المستقبل