"إنجازات" كيري

بقلم: 

في البداية كان غريبا ان تتنطح إدارة أوباما لقيادة مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية فيما هي تتعثر في ملفات الشرق الأوسط كلها. وساعدت تعليقات إسرائيلية يمينية مندّدة بوزير الخارجية جون كيري في إعطاء هذا صورة صاحب الرسالة المتحمس لإنجاز شخصي له. لكن بعد أشهر من المفاوضات تبيّن أن طموحات كيري أدنى بكثير مما نُسب إليه.

لم يعد كيري طامحا لإنجاز التسوية النهائية في تسعة أشهر ليس لأنه اصطدم بعراقيل مفاجئة، فتاريخ القيادة الأميركية للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية حدّد منذ زمن بعيد القضايا التي لا يستطيع الطرفان تجاوزها، والتي تشكّل وحدها أساس أي حل نهائي. ومنذ البداية كان هدف كيري هو المفاوضات من أجل المفاوضات. وهو عندما حذّر الإسرائيليين من أن التصلب سيصبّ في حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل، كان يحذّرهم من أن انقطاع المفاوضات سيطلق حملة عزل إسرائيل، ولم يكن يضعهم أمام ضغوط للموافقة على برنامج أميركي للحل النهائي. لا يمكن، بالطبع، اتهام كيري بأنّه فبرك المفاوضات خدمة لإسرائيل فقط، فمنطلقاته لها علاقة أولاً برؤية أوباما للصورة الشرق الأوسطية الأشمل. وهنا تحتاج سياسة مواكبة الأزمات والملفات المفتوحة الى تتمتها الفلسطينية لتكتمل. أما الإنجازات فمتروكة للأطراف أنفسهم. بهذا المعنى هناك تقاطع مصالح أميركية - إسرائيلية في إبقاء الفلسطينيين مشدودين إلى طاولة المفاوضات.

وليس أدلّ على المنطلقات "الواقعية" لسلوك وزير الخارجية الأميركي، من نقله مفاوضات الحلّ النهائي الى مفاوضات "الاتفاق الإطار" للحل النهائي، وبذلك يكون إنجازه الأكبر فتح تسعة أشهر أخرى من المفاوضات إلى... لا مكان. حتى "الاتفاق الإطار" لن يكون ملزما إلاّ للأميركيين أنفسهم، إذ سيكون متاحا للإسرائيليين، وللفلسطينيين تاليا، تسجيل تحفّظاتهم بشأنه ما يعني عمليا تسجيل مواقف تعيد المفاوضات الى نقطة انطلاقها.

كل هذا لا يعني أنه لم تكن لكيري "إنجازات" خلال الأشهر الماضية. فعلى رأس إنجازاته "تطبيع" الموافقة الأميركية على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، وجعله موقفا أميركيا - إسرائيليا مشتركا، مع ما يضمره ذلك من "حلّ" ليس فقط لقضية اللاجئين الفلسطينيين أينما وجدوا، وإنما أيضا لفلسطينيي 1948. وبدل أن تكون المفاوضات إطارا لبحث من سيعود من فلسطينيي الشتات تصبح تكريسا قانونيا للتمييز ضد فلسطينيي 1948، تمهيدا للتخلص من قسم منهم في إطار تبادل الأراضي، حيث ترتاح إسرائيل من كتل فلسطينية مزعجة، مقابل ضم الكتل الاستيطانية، التي تحتل قلب الضفة الغربية.
مفاوضات فاشلة ولا شك. لكنها تنقل القضية الفلسطينية من حال الى حال.

المصدر: 
النهار