اشتداد الضغوط على الفلسطينيين

بقلم: 

لا شك في أن القضية الفلسطينية (القضية المركزية) للعرب أنزوت عربياً وإقليمياً ودولياً، بالإضافة الى الإنقسام الفلسطيني أصلاً والمتوزع على الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو عامل إضافي، ساهم أيضاً في إضعاف زخم القضية الفلسطينية على كافة الصعد والفعاليات.

في المقابل تضاعفت إسرائيل قوة، عسكرياً وسياسياً، في المنطقة والعالم، وهي تعيش أقوى مراحل قوتها منذ تأريخ تأسيسها، حتى غدت من ضمن خمسة دول مؤثرة في الشرق الأوسط، وفق ما ذكره الباحث الصيني (نيوكسن شون) مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في بكين والمدير السابق لمعهد الدراسات الأميركية، الى جانب : إيران وتركيا ومصر والسعودية، بينما على الصعيد العربي، خرجت ثلاثة بلدان عربية مهمة من معادلة الصراع العربي : مصر والعراق وسوريا. 

أن هذا الواقع السائد في المنطقة، كان له علاقة في الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى المنطقة، بشأن القضية الفلسطينية، خصوصاً وقد أستغل الوزير الأميركي هذا الواقع، ليروّج لحل مناسب يضمن أمن الدولة الصهيونية، مع أنها في الواقع لم تُعد مهددة عملياً، بل على العكس قامت بتكريس قوتها ونفوذها في المنطقة، في ظل إنشغال البلدان العربية في شؤونها الداخلية كما هو قائم ومشتعل في أكثر من بلد عربي، ويساعده في ذلك فتور البلدان المؤثرة في العالم، في تناول قضية السلام بين الفلسطينيين والدولة الصهيونية. 

وفي زيارته التاسعة للمنطقة في كانون الأول من العام الفائت منذ تسلم مهام منصبه في شباط الماضي، انتهت هذه الزيارة باستياء فلسطيني من جراء الأفكار الأميركية الأمنية، التي طرحها الوزير الأميركي على الفلسطينيين، بغرض التوصل الى إتفاق (الأرض مقابل السلام)، ومن خلالها عقد اجتماعات منفصلة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، من دون أن يحقق ثغرة لدى الطرفين المتقابلين، على الرغم من توقف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لفترة أستمرت ثلاث سنوات. 

وفي غياب أية مؤشرات علنية لتقدم المفاوضات، صرح كيري في حينها، بأنه اقترح على الفلسطينيين واسرائيل (بعض الأفكار) على صعيد الترتيبات الأمنية في اي اتفاق مستقبلي، بيد أن مصدراً فلسطينياً أوضح، أن اقتراحاً أمنياً أميركياً نص على وجود للجيش الاسرائيلي في غور الاردن بالضفة الغربية مدة عشر سنين.

يُذكر أن اسرائيل تقول منذ فترة طويلة، إنها تريد الاحتفاظ بوجود عسكري في غور الاردن بين الضفة الغربية والاردن، لكن الفلسطينيين يرفضون هذا المطلب الإسرائيلي، ويتهمون واشنطن في الوقت نفسه، بالرضوخ للمطالب الأمنية الإسرائيلية لوقف انتقاداتها للمساعي الديبلوماسية الأميركية المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني.

وفي هذا السياق تواجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون بشكل غير مباشر مؤخراً، في مؤتمر واحد في تل أبيب. 

وقد أدلى يعلون بتصريحات إستفزازية، انتقد فيها أداء الفلسطينيين في المفاوضات وعلى المستوى الأمني في الضفة الغربية المحتلة، خرج عباس عبر الفيديو ليؤكد التزامه بعملية التسوية، متحدثاً عن ثلاث سنوات كافية لتنسحب إسرائيل من أراضي الـ67 المحتلة وذهب أبعد من ذلك، ليحدد القوى المفضلة لديه لتنتشر على الحدود الأردنية بدلاً من جنود الاحتلال، وهي قوات حلف الأطلسي.

وفي مقابلة بثت خلال المؤتمر السنوي لمعهد الدراسات الامنية في تل ابيب قال عباس إن (من يقترح عشرة إلى 15 عاماً لا يريد ان ينسحب... نقول في مدة معقولة لا تزيد على ثلاث سنوات، يمكن لإسرائيل أن تنسحب تدريجياً). 

وحول بقاء قوات الاحتلال في منطقة غور الأردن على الحدود الأردنية، أكد عباس أنه (لا مانع لدينا ان يكون هناك طرف ثالث بعد انسحاب اسرائيل أو أثنائه ليُطمئن الاسرائيليين، وليُطمئننا ايضاً بأن الأمور ستسير سيراً طبيعياً)، مضيفاً (نعتقد ان الناتو - حلف شمال الاطلسي - هو الطرف المناسب لمثل هذه المهمة). 

واللافت في الزيارتين الأخيرتين اللتين قام بهما وزير الخارجية الأميركي لعمّان، وفي إطار إنجاز (إتفاق إطار) يُمهِّد للمفاوضات النهائية، يُقال إنه ناقش مع الملك الأردني عبدالله الثاني مشروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، القاضي باعتبار الأردن إحدى الدول الفلسطينية الثلاث المطروح إنشاؤها، وهي : فلسطين الشرقية (الأردن)، فلسطين الغربية (الضفة الغربيّة)، وفلسطين الجنوبية (غزّة). 

ففكرة (الترانسفير)، أي تهجير الفلسطينيّين إلى الأردن، ليكون هو الوطن البديل للفلسطينيّين مطروحة منذ تأسيس إسرائيل، ووفقاً لما يطرح نتنياهو، تكون الدويلات الفلسطينية الثلاث خالية من الوجود اليهودي تماماً، وفق عملية تبادل للأراضي سيجري تنظيمها، في مقابل الإعتراف بالهوية اليهودية لإسرائيل، على أن يكون غور الأردن والخليل والقدس ومحيطها جزءاً من الدولة اليهودية. 

وعملياً، تعني الخطة الإسرائيلية، التي يعمل كيري على تسويقها، تهجير الفلسطينيّين من إسرائيل إلى الأردن، وإنهاء المطالبة بحقّ العودة، والمساهمة في تجنيس الفلسطينيين في البلدان التي يقيمون فيها (التوطين).

المصدر: 
المستقبل