لغز ليبرمان المتطرِّف

بقلم: 

اشتهر وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي أفيجدور ليبرمان بالمواقف بالغة التطرف إلى حد الهوس. فلقد كان هو الذي هدد بضرب السد العالي في مصر، وكان هو دائماً الذي يرفض التفاوض مع الفلسطينيين، وكان يهدد بالانسحاب من الحكومات إذا ما أقدمت على وقف الاستيطان في الضفة الغربية أو لوحت بإمكانية الاتفاق مع السلطة الفلسطينية.

بناءً على هذا التطرف كان حزب ليبرمان يكسب أصوات الجماهير المنحازة إلى الاستيطان اليهودي على حساب السلام. غير أن ظهور نفتالي بينيت كزعيم لحزب البيت اليهودي الممثل لجماهير غلاة المستوطنين والمتدينين أدى إلى اقتطاع جزء من أصوات ليبرمان، وبالتالي مقاعده في الكنيست في الانتخابات الأخيرة. لغز ليبرمان يتمثل في تحوله فجأة إلى جهة الاعتدال لدرجة أنه ظهر في صورة المدافع عن وزير الخارجية الأميركي الذي تعرَّض لهجوم شديد من وزراء اليمين الإسرائيلي في الحكومة بسبب تحذيره لإسرائيل من عواقب فشل مفاوضات السلام على الأمن والرخاء الإسرائيليين. لقد كان من الطبيعي أن يثير موقف ليبرمان التساؤلات من جانب المعلقين الإسرائيليين خصوصاً أنه بدأ يؤكد أنه يؤيد حل الدولتين. على سبيل المثال قال أحد المحللين في صحيفة «يديعوت أحرانوت» إنه يرى حالة فصام في شخصية ليبرمان التي تبدلت بشكل جذري لدرجة أن ليبرمان القديم الذي اشتهر بأنه وزير خارجية منبوذ في العالم والذي كان وزير الخارجية الإسرائيلي الوحيد الذي لم تطأ قدماه البيت الأبيض الأميركي وتعرض للاستبعاد من جانب وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون لمواقفه السلبية من عملية السلام، لا يمكن إذا عاد من جديد أن يتصوَّر أنه هو نفسه الذي أصبح اليوم أحد رعاة التسوية السياسية مع الفلسطينيين والمدافع عن كيري في مواجهة زملائه من الوزراء المتطرفين. إن التفسير الشائع لدى المحللين الإسرائيليين لهذا التحول هو أن ليبرمان قد نضج مع الأيام واكتشف أن مواقفه المتطرفة لم تجلب له من دول العالم سوى الاحتقار والاستبعاد من ناحية وأنها لم تعد تحقق له في الداخل ذلك القدر من القوّة من حيث مقاعد البرلمان. إن حالة ليبرمان لا تبدو غريبة بالنسبة لتاريخ الساسة الإسرائيليين الذين يبدأون في التطرف والاعتماد على استخدام القوّة مع العرب كحل وحيد لمشكلات إسرائيل، حيث لاحظنا تحول عدد منهم بعد التجربة مثل إسحاق رابين رئيس أركان جيش الاحتلال الذي هزم ثلاث دول عربية عام 1967 واحتل أراضيها. إن هذا الرجل نفسه هو الذي أفاق لحقيقة أن القوّة وحدها لن تحل مشكلات إسرائيل، وبالتالي كان هو الذي أقدم على توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 ودفع حياته ثمناً لها عندما قتله شاب متطرف. وأيضاً لاحظنا تحول شارون الشهير بالدموية وارتكاب المذابح ضد المدنيين العرب والمؤمن بعقيدة أن ما لا يتحقق بالقوّة يتحقق بمزيد من القوّة ذلك أنه أصبح في سنوات حياته الأخيرة مستعداً للاعتراف بحل الدولتين، بل وأقدم على الانسحاب من غزّة وفقد تأييد حزبه «ليكود» فانشق وكوّن حزب «كاديما».

أعتقد أنه يمكننا حل لغز ليبرمان في إطار هذا التاريخ الذي يدل على أن الواقع العربي قادر على تغيير قناعات المتطرفين الصهاينة بصمود الشعب الفلسطيني على أرضه.

المصدر: 
الاتحاد