الشروط الإسرائيليّة الجديدة تعرقل عمليّة السلام

بقلم: 

إن وضع إسرائيل كقوّة احتلال في الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة وفرضها شروطا جديدة للسلام، أمران يضعان مزيداً من العراقيل أمام المفاوضات مع الفلسطينيّين. لقد طرأت مسائل كثيرة - أم هي عقد؟ - في الأيام القليلة الماضية على الملف الإسرائيلي - الفلسطيني.
بدايةً، عقدت اللجنة الرباعيّة (الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا) اجتماعا خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، من أجل مناقشة التطوّرات في المسألة الإسرائيليّة - الفلسطينيّة، لا سيّما "إطار العملالذي يقوم بإعداده وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري.
وقد حان الوقت لنسأل: ما الدور الذي اضطلعت به اللجنة الرباعيّة حتى الآن؟ ولماذا أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون عضو فيها؟ إن الأمين العام هو الوصي الأول على كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقّ الفلسطينيّين في تقرير مصيرهم الذي نصّت عليه مئات القرارات الصادرة عن الجمعيّة العامة للأمم المتحدة وبعض قرارات مجلس الأمن، فضلاً عن الوكالات المتخصّصة في منظومة الأمم المتحدة. في رأيي، وجود بان كي مون في الرباعيّة يُقيّد سلطته في هذا المجال. لا يمكن أن يقتصر دوره في هذه المسألة المهمّة والحيويّة على الرباعيّة. فتفويضه أوسع نطاقاً بكثير ويُعتبَر أكثر موضوعيّة، ويجب أن تكون تقويماته وتفسيراته لهذه القرارات أشدّ إلزاماً.
في هذا الصدد، يأتي دور طوني بلير كمبعوث خاص للرباعيّة ضبابياً في أفضل الأحوال، ويبدو وكأنه ملحق بالإدارة الأميركيّة الحصريّة لـ"المفاوضاتالجارية. ويتّضح هذا الأمر أكثر فأكثر من خلال التزام كيري الأحادي والشديد، وكذلك الدور المحدود وشبه الخفي لما يُعرَف بـ"الرباعيّة".
ويُطرح سؤال إضافي عن دور المبعوث الأميركي الخاص مارتن إنديك في "المفاوضاتالتي كان يُفترَض بها عند إطلاقها، أن تنتهي بعد نحو تسعة أشهر، والتي باتت تركّز فقط على "اتفاق الإطارباعتباره أولويّة تعرضها الولايات المتحدة على الطرفَين.
يقول المثل الشائع: "كثرة الطبّاخين تفسد الطبخة". ما يحدث من خلال هذه الاجتماعات المتنوّعة يكاد يطمس الحقيقة البديهيّة بأنه لا يمكن للمفاوضات أن تقود إلى نتيجة إلا إذا أقرّت إسرائيل واعترفت بأنها قوّة احتلال في الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة تخضع لأحكام اتفاقيّة جنيف الرابعة لعام 1949.
لقد أوضحت مسؤولة الشؤون الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون يوم السبت الماضي أن هذه "مرحلة تتطلّب اتخاذ قرارات صعبة وجريئة". إنها محقّة تماماً!
لا يمكن التوصّل إلى اتفاق مقبول يتمتّع بالمصداقيّة ما دامت إسرائيل تنتهك كل أحكام اتفاقيّة جنيف الرابعة، وترفض القبول بأنها قوّة احتلال في الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة.
يُظهر توسّع المستوطنات كما قال إنديك أمام مجموعة يهوديّة في 30 كانون الثاني الماضي، أن نحو ثلاثة أرباع المستوطنين اليهود في الضفّة الغربيّة ستشملهم إعادة ترسيم الحدود الإسرائيليّة وفقاً للتصوّر الذي وُضِع في إطار مفاوضات السلام المدعومة من الولايات المتحدة، بحسب ما نقلت صحيفة "ذي واشنطن بوستفي 31 كانون الثاني الماضي.
ويتساءل المرء كيف يمكن لأحكام «اتفاق أوسلو» الذي وُقِّع قبل عشرين عاماً - التي تكرّرت الإشارة إليها في اجتماع القمة في «كامب ديفيد» بين رئيس السلطة الفلسطينيّة ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الأميركي بيل كلينتون في العام 2000 -، أن تسمح لإسرائيل بتنفيذ خططها الاستيطانيّة وسياسات ضمّ الأراضي وأن تمعن في رفضها المتعمّد للاعتراف بأنها قوّة احتلال؟ أضف إلى ذلك، تعامل إسرائيل مع قطاع غزّة وكأنه كيان عدواني فريد من نوعه.
واليوم، تضيف إسرائيل مزيداً من الشروط، إلى العمليّة "التفاوضيّةمن أجل التعويض على اليهود الذين هُجِّروا من بعض الدول العربيّة - وهذا بحدّ ذاته زعم تدحضه الوقائع التاريخيّة -. كذلك فإنها تشدّد على أنها ليست دولة يهوديّة وحسب، بل"دولة للشعب اليهودييريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرضها، من أجل الإيحاء وكأن المواطنين العرب في إسرائيل لا ينتمون إلى أرض أجدادهم، ما يزيد من حدّة التمييز الذي يعانيه هؤلاء المواطنون العرب منذ سنوات.
قبل استئناف "المفاوضات"، على الفلسطينيّين أن يبادروا سريعاً إلى عقد مؤتمر تشارك فيه المؤسسات ومراكز الأبحاث الفلسطينيّة المختلفة، فضلاً عن المفكّرين والناشطين ورجال الدولة الفلسطينيّين الذين همّشتهم القيادة الحاليّة، على أن يتخلّله نقاش صريح وتحليل واضح للخيارات، لأنه في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه الآن، فإن الفلسطينييّن سيظلّون محرومين من حقوقهم الوطنيّة والإنسانيّة.
ليس الهدف مما تقدّم أن يكون خطاباً "دراماتيكياً". بل إنه نداء لإجراء مداولات صريحة بين الفلسطينيّين، وفي حال الضرورة بين العرب، قبل فوات الأوان!

المصدر: 
السفير