قراءة غير مسموح بها للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني

بقلم: 

لعلة تجاهد اليوم، وتكافح
بكل ما ملكت ضد المعلول،
الذي تسببت به،
حتى لا يخطر على بال أحد،
أن يشير، ولو بالاصبع، إليها كونها المسؤولة
عمّا وصل إليه المعلول من حال..
وهكذا غدا المعلول ممنوعاً،
بل ومطارداً من قِبَل العلة نفسها.

الشاعر النمساوي إيريش فريد

نظمت في برلين ندوة بمناسبة الذكرى العشرين لاتفاقيات أوسلو الفلسطينية الإسرائيلية، سبق هذه الندوة بأيام نشر تعليق على كتاب صدر حديثاً باللغة الألمانية (بترجمة) عن دار للنشر (LAIKA) في مدينة هامبورغ للكاتب الفيلسوف (وأستاذ للرياضيات) موشي ماخوفر، يحمل الكتاب عنوان: "إسرائيليون وفلسطينيون: الصراع والحل" وكاتبه م. ماخوفر هو من مواليد تل أبيب عام 1939 يساري الاتجاه ومن المؤسسين التاريخيين لمنظمة "ماتسبين" في أواخر ستينات القرن الماضي، ويقيم منذ سبعينات القرن الماضي في لندن.
كتب التعليق على هذا الكتاب داعية السلام الألماني RUPERT NEUDECK (روبرت نويدك) ونشرته جريدة "نويس دويتشلاند" NEUES DEUTCHLAND (ألمانيا الحديثة) المقرّبة من "حزب اليسار" (DIE LINKE) الألماني الذي يقود المعارضة البرلمانية الراهنة نتيجة الانتخابات النيابية في 22 أيلول/سبتمبر 2013. ناهض NEUDECK حرب فيتنام الأميركية إلى جانب "هاينريش بل HEINRICH BALL" (ملهم "حزب الخضر" الألماني ومثاله الأعلى) وأسس لهذا الغرض منظمته المشهورة في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي "CAP ANAMUR" للتضامن مع الشعب الفيتنامي خاصة ومناهضة الحروب بعامة، يرأس راهناً منظمة "قبعات خضر للسلام" التي تنشط في تقديم الدعم الإنساني للشعب السوري الشقيق في محنته الكبرى.. وصدر له مؤخراً كتاب "يوميات سورية: الحياة مستمرة ما بعد الأسد..".
يشير NEUDECK في مطلع تعليقه على كتاب ماخوفر إلى "ندرة ما يصدر باللغة الألمانية متعارضاً مع الرأي والموقف السائدين في ألمانيا..". و"هذا الكتاب يسمح بقراءة ما ليس مسموحاً أو مرغوباً به..."، كما يضيف السيد NEUDECK: "نحن توهمنا أن اتفاقات أوسلو سوف تعطينا دولتين متجاورتين في سلام" ويرتكز مضمون الكتاب إلى ثلاثة آراء أساسية للفيلسوف ماخوفر:
- تؤكد الأولى على أن "الاستيطان الإسرائيلي هو عملية استعمارية تمت في السياق العام للاستعمار الأوروبي الغربي الذي عرفته المنطقة غداة الحرب العالمية الأولى. ويؤكد ماخوفر أن منظمة "ماتسبين" انفردت من بين كافة "فرقاء اليسار الإسرائيلي" في تسمية الأمور باسمها ومن دون لف أو دوران..
- وتوضح الثانية الفارق النوعي بين هذا الاستعمار لأراضي فلسطين وبين نظام في الجوهر "تنظيم بشع لاستغلال قوة عمل المواطنين الأفارقة على أرضهم، في حين أن "الاستعمار الصهيوني يهدف ويعمل على طرد السكان الأصليين من أراضيهم للحلول مكانهم.. وهو البرنامج الذي نفذه المهاجرون الأوروبيون إلى أميركا الشمالية ضد سكان البلاد الأصليين بعد هزيمة هؤلاء عسكرياً..".
ويسخر ماخوفر ثالثاً من الادعاء القائل بأنّ أتباع الدين اليهودي المنتشرين في كافة أنحاء العالم يشكلون في مجموعهم "أمة واحدة وإسرائيل وطنها الذي اختاره الله مقراً أزلياً لها".
ويشير ماخوفر إلى أن إسرائيل قد نجحت في تسويق الصراع الناشئ منذ إعلان تأسيسها على أنه صراع متوازن يستهدف الوجود "العبري" برمته في حين أثبت التطور السياسي التاريخي على أنه "صراع غير متكافئ Sasymmetrique" تخوضه "إسرائيل بجيش يمتاز بتسلح على درجة متقدمة جداً من التقنية وندر مثيله في العالم ضد شعب أعزل..." الأمر الذي تجلى في أبشع صورة" في الحرب التي شنتها إسرائيل 2008/2009 ضدّ الشعب الفلسطيني في غزة الأعزل من السلاح "لم تكن هذه حرباً ولم يشهد العالم معارك مسلحة بين طرفين.. بل كانت مجزرة لشعب غزة نفذتها القوات الإسرائيلية عن سابق تخطيط وإصرار...".
حول اتفاقيات أوسلو: يخلص "ماخوفر" من عرضه لمجريات مباحثات أوسلو قبل عشرين عاماً إلى السخرية من كافة أولئك الذين توهموا قبول إسرائيل لقيام "سلطة فلسطينية تتعدّى في الممارسة العملية صلاحيات "إدارة ذاتية" للمناطق المحددة لها.. وهو يرى أن إسرائيل أعلنت عن استعدادها لانسحاب مشروط من مناطق لم تُحدد بدقة من الأراضي المحتلة منذ عام 1967، في حين تصر على توصيف غالبية الأراضي "بالمختلف عليها" وليس بالمحتلة كما يعرفها القانون الدولي، وهي تسيطر بالكامل على كافة مصادر المياه في أراضي الضفة الغربية وتتحكم بالتالي بحياة وعمل المواطنين من دون استثناء..
إن جل ما تهدف إليه إسرائيل هو "حشر العرب الفلسطينيين في بؤر من الإدارة الذاتية الخاضعة لهيمنة الاحتلال بالمطلق، ولهم الحق في مغادرتها إلى حيث يشاؤون وإلى أبعد نقطة في العالم ومن الأفضل من دون التفكير بالعودة إليها...".
"إن المشاريع الإسرائيلية للسلام مع قادة فلسطينيين يسعون من أجلها هي في أحسن حالاتها تكرار للاتفاقيات التاريخية ما بين المستوطنين البيض من أوروبا وبين سكان البلاد الأصليين الذين أخضعوا بقوة السلاح لمصالح الأوروبي المهاجر إلى أميركا الشمالية...".
السلام الدائم والحقيقي في فلسطين: كما يراه ماخوفر في كتابه "فلسطينيون وإسرائيليون..." ويرى فيه المعلق الناشط للسلام R.NEUDECK من المحظورات في النشر والإعلام في إلمانيا حتى الساعة، هذا السلام يشترط كما يرى "ماخوفر":
* المساواة الكاملة والمطلقة في المواطنة بين الفلسطينيين العرب والعبرانيين في دولة فيدرالية، الأمر الذي يشترط المحاكمة لإسقاط الصهيونية الحاكمة وهزيمتها والتي تحظى بدعم الامبرياليين أصحاب المصالح في المنطقة المستفيدين من دورها الإقليمي كدولة نووية ومجتمع عسكري بالكامل.
* عودة الفلسطينيين إلى ديارهم والتعويض على ما خسروه نتيجة التهجير منها. ويرفض ماخوفر الحديث عن "تهديد الاثنوقراطية اليهودية" للدولة القائمة نتيجة لتطبيق حق العودة بالكامل وما يستتبعه من تغيير جذري في ديموغرافيتها لصالح العرب، سكان البلاد الأصليين.
يرفض ماخوفر أي مساومة مع الايديولوجية الصهيونية في إصراره على تطبيق حق العودة والتعويض كأساس لقيام دولة فيدرالية تسودها المساواة على أساس المواطنة.. "فالاشتراكي لا يقبل بالتمييز القومي أو العنصري تحت أي مبرر" كما يجزم موشيه ماخوفر في ختام كتابه.

علق أحد المواطنين الألمان من قراء الجريدة "نويس دويشتلاند" اليومية على قول السيد NEUDECK: "هذا الكتاب يسمح بقراءة ما ليس مسموحاً أو مرغوباً به.." بقوله: "إن ما ليس مسموحاً به على الإطلاق هو فقط استمرار التضليل من جهة واستمرار اضطهاد الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه..".

المصدر: 
المستقبل