هل تجتاز إسرائيل «الخط الأحمر» الأوروبي؟

بقلم: 

تحاول إسرائيل تفادي تفاقم الحملة المطالبة بمقاطعة منتجات المستعمرات (المستوطنات) وأنشطتها التي قد تؤدي إلى عقوبات محتملة من الاتحاد الأوروبي شريك إسرائيل التجاري الأول. بل إن نتنياهو عقد جلسة تباحث خاصة لوزراء حكومته تناولت موضوع زيادة قوة تهديد المقاطعات والعقوبات على إسرائيل من قبل حكومات وشركات تجارية وجامعات ومؤسسات مجتمع أهلي في الغرب بسبب الاحتلال في الضفة الغربية، وذلك إثر قرار شركة التقاعد الهولندية الضخمة (بي جي جي إم) سحب استثماراتها من البنوك الخمسة الكبرى في إسرائيل لمشاركتها في الإنفاق على جهات لها صلة بالبناء في المستوطنات.

صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشرت تقريراً ذكّرت فيه بعشر شركات عامة وخاصة، قطعت علاقاتها مؤخراً مع شركات إسرائيلية بسبب مساهمة الأخيرة في الاستيطان، الأمر الذي دعا وزير المالية الإسرائيلي إلى التحذير من الأسوأ في حال فشلت المفاوضات مع الفلسطينيين، حيث كشف عن خلاصات تقرير وضعته أجهزته حول عواقب مقاطعة جزئية من طرف الاتحاد الأوروبي الذي يمثل ثلث تبادلات إسرائيل. وأشار التقرير إلى أن «الصادرات قد تتراجع بنحو 20 مليار شيكل سنوياً (4,2 مليار يورو) علاوة على تراجع إجمالي الناتج الداخلي بحوالى 11 مليار شيكل سنوياً، وأن 9800 موظف قد يسرحون على الفور». وقال: «إننا في مرحلة فاصلة في حركة المقاطعة، علينا التحرك بشكل طارئ»، متحدثاً عن سابقة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

 

 

 
 

من جانبه، وفي مقال بعنوان «ما تقوله حملات المقاطعة لإسرائيل»، كتب ريتشارد كوهين يقول: «الأكثر أهمية في حملات المقاطعة هو ما تمثله من أن هناك عدم تعاطف واسع الانتشار ودائم التزايد تجاه إسرائيل... ومهما كان السبب تظل الحقيقة أن احتلال إسرائيل القاسي للضفة الغربية يضعها في خط الدفاع». ويختم قائلا: «إن إسرائيل التي أحبها تصبح موضعاً للكراهية باطراد، وبلا توقف». وفي الإطار نفسه، جاء مقال «المقاطعة الأوروبية لإسرائيل»، حيث كتب باراك ربيد يقول: «إن التقدير في مجلس الأمن القومي وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية هو أن فشل مسار كيري السياسي وتفجير التفاوض سيفضيان إلى موجة عنيفة من المقاطعات وسلب إسرائيل شرعيتها من قبل حكومات في الغرب ومن قبل رجال أعمال في القطاع الخاص أيضاً». وفي سياق متمم، جاء مقال بعنوان «المقاطعة الأوروبية ستلحق بإسرائيل أضراراً حقيقية»، قال فيه إيلي بردنشتاين: «يخلق الاتحاد الأوروبي أجواء وأمزجة تشجع المقاطعات الكاملة لإسرائيل داخل الخط الأخضر والتي ستجعل إسرائيل دولة منبوذة». ويضيف: «السياسة الأوروبية تشجع أيضاً دولا في أجزاء أخرى من العالم للتصرف بشكل مشابه، ولهذا فمن المتوقع أن تواجه إسرائيل مصاعب سياسية واقتصادية. وإذا لم يطرأ تغيير حقيقي في سياسة إسرائيل بالنسبة للبناء في المستوطنات فإن المقاطعة لن تتوقف عند الخط الأخضر، والضرر اللاحق بإسرائيل سيكون حقيقياً».

من جهته، خلص مركز تجديد الديمقراطية الإسرائيلية «المولاد»، في تقريره الدوري الأخير، إلى أن «مقاطعة إسرائيل لا تزال على هامش السياسة الدولية، إلا أن سياسة نتنياهو الصادمة لأميركا تنذر بالخطر». ونبّه التقرير إلى «الشيزوفرينيا التي تعتري سياسة إسرائيل»، مشيراً إلى أنها بينما هي تعلن الالتزام بسياسة الدولتين، نجدها تمارس في الضفة الغربية وقطاع غزة سياسات لا تمت لقبولها بخطة الدولتين». وختم المركز، الذي يصدر تقارير دورية عن الحالة الدولية الإسرائيلية من حيث اتجاهات الرأي العام العالمي حول سياساتها، بالقول: «إن الخروج من هذه الشيزوفرينيا يكمن في الوصول إلى حل يأخذ في الاعتبار بقوة القيم الديمقراطية المستقرة في الغرب». وفي هذا الإطار جاءت التوترات الأخيرة بين كيري ونتنياهو، عندما أشار الأول إلى الحملة المتصاعدة لنزع الشرعية عن إسرائيل والحديث عن المقاطعة إذا استمر الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي.

وفي نطاق سياسة العصا والجزرة التي تمارسها أوروبا تجاه إسرائيل، تأتي تصريحات سفير الاتحاد الأوروبي الجديد لدى تل أبيب (لارسن فابورغاندرسون)، والذي بدأ عمله بتحذير إسرائيل من أنها «ستجد نفسها معزولة في حال فشل التسوية مع الفلسطينيين واستمرارها بالبناء الاستيطاني». وأضاف أندرسون: «ثمة إجماع دولي على أن إسرائيل يجب أن تعيش بأمان في حدود آمنة على أساس حدود عام 1967 مع تبادل أراض، إلى جانب دولة فلسطينية، مع ضرورة إيجاد حل مناسب لقضية اللاجئين، وعلى أن القدس يجب أن تكون عاصمة لدولتين». وتابع السفير قائلا: «إن مسألة الاعتراف بدولة يهودية ليست مسألة تحظى بإجماع دولي»، موضحاً أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ موقفاً من هذه المسألة، مضيفاً: «لأننا غير متأكدين (يا معشر الإسرائيليين) ماذا تعنون بذلك، وما هي تداعيات مثل هذا الاعتراف على قضايا جوهرية أخرى، لهذا نعتقد أنها قضية يجب أن تبحث بين الطرفين». ورداً على الغضب الإسرائيلي من إدانة الاتحاد الأوروبي للبناء الاستيطاني، أوضح أندرسون: «إن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بحسب القانون الدولي، وتشكل عقبة سياسية أمام التقدم في عملية التسوية. ولهذا السبب تصدر إدانات من الاتحاد الأوروبي للبناء الاستيطاني، وليس لأي سبب آخر، لأن بناء جهود بناء المستوطنات ليست قانونية». وختم اندرسون محذراً إسرائيل ومحدداً «الخط الأحمر» الأوروبي: «وللإسرائيليين أوضحنا بأنه يوجد ثمن سيدفع إذا فشلت المحادثات. فإذا ما واصلت إسرائيل البناء الاستيطاني، وانتهت المحادثات من دون نتيجة، أخشى أن تجد إسرائيل نفسها معزولة عن أوروبا، ربما ليس بقرارات حكومية رسمية، بل بسبب الإرادة الشعبية، ومن جانب مؤسسات اقتصادية. إن علاقة الاتحاد الأوروبي وإسرائيل مهددة إذا فشلت المحادثات مع الفلسطينيين».

وفي رده المميز على تهمة الدوافع اللاسامية لدى كل من يدين بناء «المستوطنات» أو يقاطع إسرائيل، يقول المؤرخ الإسرائيلي المعروف زئيف ستيرنهيل، وهو خبير بشؤون الفاشية في أوروبا، يقول في مقال نشرته صحيفة «هاآرتس»: «إن معاداة السامية ليست الدافع وراء حملة مقاطعة المستوطنات التي تتسع في أوروبا»، ويضيف: «إن المقاطعة هي أولا نوع من الانتفاضة على الاستعمار والفصل العنصري السائدين في الأراضي الفلسطينية، معتبراً أن هذا الرأي يشاطره أفراد من جميع أطياف الساحة السياسية، بما في ذلك أشخاص يحتقرون معاداة السامية ويدعمون إسرائيل بالكامل».

المصدر: 
الاتحاد