المنطقة تغلي وإسرائيل تتبنى استراتيجية القلعة

بقلم: 

بعد إطلاق صاروخ كاتيوشا من لبنان وسقوطه في اسرائيل في الشهر الماضي، وجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتهام لحزب الله، المليشيا الشيعية، وداعميها الايرانيين. لكن المسؤولين الأمنيين الاسرائيليين نسبوا الهجوم وهجوماً مماثلا كان قد شن في آب الماضي الى مجموعة جهادية سنية مرتبطة بتنظيم القاعدة.

ويعد ذلك الانفصام مثلاً للمأزق المعمق الذي تواجهه اسرائيل فيما تعصف بالمنطقة من حولها حرب طائفية قد تعيد رسم خريطة الشرق الاوسط.

وفي الأثناء، يستمر السيد نتنياهو وغيره من القادة في رؤية ايران الشيعية وبرنامجها النووي تهديداً رئيسياً لاسرائيل، وفي كون حزب الله الأكثر ترجيحاً لجرها الى معركة مباشرة. وما يزال من الصعب بمكان تجاهل حقيقة القوة المتصاعدة للخلايا السنية المتطرفة في سورية والعراق وما وراءهما والتي تهدد بجلب الجهاد الى القدس.

وفيما تتصاعد وتيرة الفوضى العارمة يصر المسؤولون الاسرائيليون على القول انهم لا ينطوون على اي نية للتدخل. وبدلاً من ذلك نراهم وقد تبنوا عقلية القلعة آملين أن يكون الخندق الذي حفروه - على شكل أسيجة حدود فائقة التقنية قد كثفه الانتشار العسكري والاستخبارات المتطورة - شاملاً على نحو كاف لشراء الوقت على الأقل.

الى ذلك، قال يعكوف عميدرور الذي استقال مؤخراً من منصب مستشار الأمن القومي في اسرائيل "ما يجب علينا فهمه هو حقيقة أن كل شيء سيتغير.. الى ماذا؟ هذا ما لا اعرفه". واضاف "لكن علينا أن نكون حذرين جداً بحيث لا نضطلع بدور في هذا الصراع. وما نشاهده راهناً هو انهيار نظام تاريخي، الفكرة التي تدعو الى دولة عربية قومية. وهذا يعني اننا سنحاط في نهاية المطاف بمنطقة ستكون "أرضَ حرامٍ"".

ولخص عميدرور، الجنرال السابق في الاستخبارات العسكرية الاستراتيجية؛ بأنها تقوم على "انتظر وحافظ على القلعة".

وقد حاول القادة الاسرائيليون استغلال التطورات الاخيرة لتعزيز قضيتهم من اجل تواجد عسكري طويل الأمد لهم في وادي الاردن، وهو ما يعتبر عقبة كأداء في مفاوضات السلام التي تتوسط فيها الولايات المتحدة بين اسرائيل والفلسطينيين. ومن جهته، وفي خطاب له في هذا الشهر استحضر زعيم حزب البيت اليهودي اليميني نفتالي بينيت، تطورات عنيفة في افغانستان ومصر والعراق ولبنان، واستنتج ساخراً "انه وقت ممتاز حقاً لنزع استثمارنا في الأصول الأمنية".

وقد ينتهز بينيت، الذي يعارض تأسيس دولة فلسطينية، أي تبرير لتقويض المفاوضات. لكن مسؤولين اسرائيليين شأنهم شأن محللين يتوافرون على صلات وثيقة مع الحكومة والمؤسسة الامنية، قالوا إن الطرح ينسحب أكثر على المزيد من اوساط الاتجاه السائد. الى ذلك، احيا الوضع المتدهور في العراق، الذي يحد الاردن من الشرق، مخاوف تتعلق بهشاشة اسرائيل في جناحها الشرقي.

وكان نتنياهو قال للمراسلين الصحفيين يوم الخميس قبل الماضي "من مضيق جبل طارق الى ممر خيبر من الصعب جداً المرور على منطقة آمنة وأمينة". واضاف "ان السلام يمكن ان يبنى على الأمل، لكن ذلك السلام يجب ان ترسى دعائمه بحقائق... وإن السلام الذي لا يقوم على الحقيقة سيتحطم امام الوقائع في الشرق الاوسط".

وقال الجنرال الاسرائيلي المتقاعد ومفاوض السلام السابق ميخائيل هيرتسوغ "ان ما نسمعه في دوائر الحكومة الاسرائيلية" هو أن الفوضى العارمة الاقليمية "تبرز الحاجة الى ترتيبات امنية صلبة وقوية".

واضاف "ان الولايات المتحدة تقبل الطرح الاسرائيلي الاساسي، بأنه على ضوء ما يحدث في المنطقة - فجأة الجهاديون يستولون على سورية وما من اخبار عما سيحدث في مناطق اخرى - فإن ثمة مسوغاً مشروعاً للقلق".

وقال هيرتسوغ الذي ما يزال يتشاور مع الفريق الاميركي "والطريقة التي نترجم بها ذلك الى ترتيبات امنية جوهرية هي ما تعكف الاطراف راهناً على مواكبته".

وكانت التطورات المتسارعة على الارض في الاسابيع الاخيرة قد قوضت مضاجع المسؤولين الامنيين والسياسيين الاسرائيليين. وتعلم مبادرات واشنطن تجاه ايران، ليس فقط فيما يتعلق بالموضوع النووي وحسب وانما ايضاً فيما يتصل بسورية والعراق الى تحول في الكيفية التي تنظر فيها الولايات المتحدة واسرائيل، الحليفان الوثيقان، الى المنطقة. وفي الاثناء، فإن المملكة العربية السعودية التي تشارك مخاوف اسرائيل من ايران، تمول، متجاسرة، المجموعات السنية التي تنظر الى اسرائيل باعتبار انها العدو المطلق.

وعلى نحو اوسع، فقد اقنع القتال المكثف العديد من الاسرائيليين بأن المنطقة ستكون غير مستقرة وستعمها الفوضى والاضطراب لبعض الوقت، ما ينهي عقوداً من التموضع الاستراتيجي والتخطيط العسكري.

من جهته، قال جوناثان سباير الزميل البحاثة الرفيع في مركز التنظيم في هرتسليا مشيراً الى الرئيس السوري بشار الأسد "تاريخياً تفضل اسرائيل ان يكون هناك قادة اقوياء حتى لو كانوا معادين لاسرائيل".

وعن المجموعات الاسلامية التي تتجمع سوية في اطار "الجهاد العالمي" قال سباير "انها مشكلة من دون عنوان". واضاف "تحب اسرائيل دائماً ان يكون هناك عنوان. نحن لا نحب الأسد، لكن عندما يحدث شيء ما في اراضي الأسد نستطيع المساومة معه. وهذه الايام لا يوجد أي عنوان. وليس ثمة من نساوم معه".

وقال مدير شعبة التخطيط العسكري الاسرائيلي الميجر جنرال يوأف هار-ايفن في مقابلة نشرتها هذا الشهر صحيفة "يديعوت احرونوت" الاسرائيلية ان فصائل الجهاد العالمي "سيطرت أصلاً على بعض مخازن الاسلحة" في سورية وأسست تواجداً في مرتفعات الجولان. ووصف ذلك بأنه "هدف مركزي" لجهود الاستخبارات.

لكن الجنرال هار ايفن اقر في الاثناء بأنه لا يتوافر على "خطة طارئة لتدمير الجهاد العالمي . واذا ما وقعت على اهداف محتملة لأن تتطور الى مشكلة فإنني أعتمد الاستخبارات الممتازة التي أُحضرت لي. ولدي العديد من هذه الاهداف".

ومنذ موعد انتفاضات الربيع العربي في العام 2011 ما تزال هناك مدرستان رئيسيتان للفكر في اسرائيل؛ تطرح احداهما ان حالة عدم الاستقرار في المنطقة تجعل حل الصراع الفلسطيني اكثر الحاحاً من اجل تقديم منارة اشعاع في منطقة مضطربة. بينما تحذر المدرسة الاخرى من مغبة تقديم تنازلات على حساب الوطن بينما يظل مستقبل الجوار غير واضح. ولقد صعد المعسكران من مواقفهما رداً على التطورات الاخيرة.

الى ذلك، قال دوري غولد رئيس مركز القدس للشؤون العامة وسفير اسرائيل السابق لدى الامم المتحدة والذي انضم مؤخراً الى فريق السيد نتنياهو كمستشار سياسة خارجية حر "ان اهم درس من الاسابيع القليلة الماضية هو انك لا تستطيع التعويل على لقطة من الحقيقة عند أي وقت لتخطيط احتياجاتك الاستراتيجية". واضاف "ان المنطقة مليئة بالخيارات السيئة. وما يتطلبه ذلك هو ان تحمل أمنك على محمل بالغ الجدية. ويجب ان لا يغويك الناس من خلال القول "حسناً ذلك تحليل اسوأ حالة". لأنه لاحقاً يأتي الاسوأ ويعم.

لكن افرايم هاليفي المدير السابق لوكالة المخابرات الاسرائيلية "الموساد" يرى المشهد بشكل مختلف، وقال "ان تورط ايران في سورية والعراق يمكن ان يحول الانظار عن برنامجها النووي". ولقد خسر حزب الله مقاتلين في سورية ويواجه تحديات في لبنان. الى ذلك يضعف حماس الفصيل الفلسطيني المتشدد الذي يسيطر على قطاع غزة بشدة بسبب الحكومة المصرية الجديدة المدعومة عسكرياً وحملتها على الاخوان المسلمين. كما ان المقدرة العسكرية لسورية قد تلاشت على نحو كبير.

وقال هاليفي "اذا نظرت من حولك مقارنا مع ما كنت تراه قبل ستة أشهر، فإن باستطاعة اسرائيل ان تأخذ نفساً عميقاً". وأضاف "ان الطريقة التي تبدو عليها الامور إذا اردت ان تصورها، فإنها تبدو وكأن هناك نوعاً من الاحتمال بالسير نحو الأحسن في الموقف الاستراتيجي لاسرائيل كما في مصالحها. إنه أفضل من موقت "شاهد وانتظر"، وخذ حذرك واحم نفسك اذا ما دعت الضرورة".

 

المصدر: 
نيويورك تايمز