أغلقت الأنفاق وفتحت الأبواق على غزة

بقلم: 

صبرا أهل غزة، العدو من أمامكم، والبحر من ورائكم، والعسكر من أسفلكم وعن يساركم. صبرا على قلة الماء والكهرباء والغذاء والدواء والغاز الطبيعي. العدو يحاصركم والشقيق يغلق الأنفاق والمعابر. انابيب الغاز المصري عادت بصمت لتزود اسرائيل بحاجاتها، وبأبخس الأسعار، تماما كما كانت أيام الرئيس المخلوع مبارك. بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 تعالت الأصوات بمحاكمة الذين سمحوا بتصدير الغاز لاسرائيل بأقل من سعر التكلفة، بينما يعاني المصري الغلبان من ارتفاع سعر الانبوبة، ناهيك عن حرمان اهل غزة منها. في أحد التسريبات، وما أكثرها، حتى أصبح ينوء بها مجلد المشير السيسي، الفريق سابقا في الايام التي خلت، يدعو لرفع الدعم عن الانبوبة، أو على الاقل يمّن على المساكين بأن الحكومة تدعم الانبوبة.
لا أدري لماذا يدعم ‘الغلابة’ المشير مع أنه يهدد برفع الدعم عن الانبوبة، على الأقل في التسريبات أو الرؤى.
لنعد الى غزة التي أصبحت، حسب الانقلابيين، والإعلام الذي يطّبل لهم آناء الليل وأطراف النهار، تشكل خطرا على الأمن القومي المصري، والعدو الاستراتيجي الذي يهدد كيان الدولة المصرية ومستقبلها.
بعيدا عن التحليلات الاستراتيجية، فانه حقا أمر مضحك، فغزة هذه مساحة’ وسكانا أصغر من احد احياء قاهرة المعز أو جوهر الصقلي، طبعا من دون أن ينقص هذا من مكانة غزة المعنوية عند الفلسطينيين وأحرار العالم كقِبلة للحرية. هذا الاعلام تجاوزا يسمى اعلاما، وهذه تهمة هو منها بريء، وشرف ليس له أن يدّعيه يقوم الآن بحملة شرسة على غزة هاشم ويصفها بمصدر الارهاب، وقد سماها الرئيس هنية، الذي تسميه الجزيرة المقال ولا تكمل الجملة، من الرئيس عباس المنتهية مدة رئاسته، للدقة قصفا اعلاميا، وهو وصف مبتكر ودقيق للغاية.
المهازل التي حصلت اثناء محاكمة الرئيس مرسي والاتهامات التي وجهت لاشخاص يفترض انهم منتمون لحماس تثير الضحك والسخرية. وقديما قالوا وضحك حتى كاد يقع من الضحك، من باب المبالغة، فأحد المتهمين بتحرير مرسي وقيادات الاخوان واعضاء من حماس وحزب الله من السجون هو شهيد قبل ثورة يناير، وآخر سجين لدى اسرائيل قبل الثورة وما زال. ويبدو أن خيال العسكر واسع جدا، أو انه يتمتع بتحقيق المعجزات، أو على الأقل الكرامات، كأن يحيي الموتى، أو لديه هدهد سليمان الذي يختصر الزمان والمكان. أما السؤال المحزن فعلا فهو: لماذا وجد في السجون المصرية، ايام مبارك، مقاتلون من حماس؟ واذا كان النظام القائم في مصر الآن هو نظام ثوري، كما يدّعون، أليس من الأجدر أن يحاكم من حبسهم، لا من حررهم؟ أليس هذا هو المنطق الثوري، على الأقل؟ عجبي، ‘أسمع كلامك يعجبني، أشوف عمايلك أستعجب’. الغريب في الموضوع انك تسمع ان المنافحين عن الانقلاب يتحدثون عن ان فلسطين في قلوبهم وبكل الحب والتأثر، ويقسمون بأغلظ’الايمان ان لفلسطين مكانة لديهم ماضيا وحاضرا ومستقبلا، لا ينازعها هذه المنزلة احد على الاطلاق، حتى ليكاد ينهمر الدمع من مآقيهم، ثم يستمرون في قصفهم المركّز على غزة وكأنهم في قلب المعركة مع مشركي قريش.
حماس حركة مقاومة، وليست حركة تكفيرية، وفكرها مختلف عن فكر القاعدة وأخواتها، ومن المستبعد جدا او حتى مستحيل ان تكون قد تورطت في اعمال ارهابية ضد الجيش المصري، ولم يعرف عنها الغباء البتّة. نادت حماس بلجنة من الجامعة العربية لتحقق في الاتهامات التي توجهها لها الحكومة المصرية. ربما يوافق العسكر على اقتراح كهذا، وقد يزّجون باللجنة في قفص زجاجي عازل للصوت، حتى يسمع القضاة ما يريدون، اما اذا كان الكلام لا يعجبهم فسيقطعون الصوت فلا يسمعونه ولا يسمعه العالم. محاكمات آخر زمن، لم نعهدها حتى ولا في الافلام الهندية.
المصريون قدموا الاف الشهداء من أجل فلسطين، وهؤلاء العسكر وإعلامهــــم المتردي الذي يسيء لفلسطين والفلسطينيين لا يعبر عن ضمير الشعب المصري الذي نعرفه، ولكن الصمت من المصريين لا ينبغي له أن يستمر حتى لا يعتقد الذين في قلوبهم مرض، ممن يعتبرون انفسهم مثقفــــين ونخبة انهم يتحدثون باسم المصريين، آن لهم أن يكفوا أيديهم عن غزة الصامدة، وأن يخرسوا أبواقهم التي تســـيء لأهلنا في غزة.
منظمة المؤتمر الافريقــــي بقيت على موقفها من رفضها السماح لمصر بحضور اجتماعاتها، باعتبار الحكومة الحالية حكومة انقلاب. ومن أدرى بتعريف الانقلاب من افريقيا التي شهدت الكثير منها؟ موقف يستحق التقدير، وقد تقدمت فيه حضاريا على الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر نفسها حامية حمى الديمقراطية في اصقاع الارض الشاسعة، ولكنها تعتبر ما حدث في مصر امرا داخليا يخص المصريين وحدهم. يا سلام
معسكر الاعتدال العربي بقيادة مصر عاد بقوة بعد ان اعتقدنا انه مني بهزيمة بعد ثورة يناير. اما الان فالاعتدال المصري اضحى أشد اعتدالا بقصفه اليومي المركّز على غزة ببراميل الاكاذيب والافتراءات الفجّة. صبرا يا غزة، فلن يضيرك حصارهم وقصفهم’ ونعيق ابواقهم، صبرا فالأيام دول.

المصدر: 
القدس العربي