كيري ومتاهة التحديات

بقلم: 

أخذ جون كيري على عاتقه مهمة التوصل لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكرّس وقته وفقاً لذلك. ومنذ توليه منصبه قبل عام، قام "كيري" بعشر زيارات إلى منطقة الشرق الأوسط، أملاً في أن تتمكن جهوده الدبلوماسية الشخصية في التقريب بين الطرفين. لكن التوصل لاتفاق سلام اسرائيلي - فلسطيني، لن يؤثر على التحديات التى تواجهها الولايات المتحدة في أجزاء أخرى من العالم.

فخلال ما يزيد على 12 عاماً، أي منذ هجمات 11 سبتمبر، تغير المشهد في الشرق الأوسط بشكل كبير، كما أن ميزان القوة في المنطقة أصبح على المحك، حيث تتنافس السعودية وإيران على التفوق والسيادة. كما انخرط السُنة والشيعة المتشددون في حرب مع تناثر ساحات القتال في جميع أنحاء سوريا ولبنان والعراق. ونتج عما يسمى بـ"الربيع العربي"، الذي كان إلى حد كبير صرخة عامة للحصول على فرصة اقتصادية، سقوط حكومات من دون بدائل مناسبة. فليبيا تعج بالميليشيات، وهناك أزمة في مصر.
كما أصبحت شبكة الروابط السياسية والعسكرية المعقدة في لبنان أكثر تعقيداً. أما تركيا، فقد أصبحت تظهر علامات العجز والفساد ودعم "الإخوان". وفي غضون ذلك، تظل "القاعدة" تشكل تهديداً للمصالح الغربية. وفي خضم كل ذلك، لم تعد محنة الشعب الفلسطيني رائدة للسلام في المنطقة. كما أن تصرفات الولايات المتحدة تضيف أيضاً إلى متاهة من التحديات. وقد تسببت رغبة إدارة أوباما في عقد اتفاق نووي مع إيران في إزعاج حلفائها التقليديين.

من ناحية أخرى، فإن نهج الادارة المترددة والمرتبكة تجاه الصراعات الدائرة في ليبيا وسوريا والآن في العراق جعلت الحكومات تتساءل حول كفاءة واشنطن.

لذلك، فبينما يعتبر تركيز "كيري" على محادثات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، ليس بالأمر الخطأ، فإن المشهد الراهن في الشرق الأوسط، يشير إلى أنه قد يكون مجرد لعبة أكثر من كونه إصلاحا لما قد كسر في المنطقة. كما أنه يمثل الفرص الضائعة لسائر اهتمامات واشنطن التي لم تلق سوى القليل من الاهتمام.

وفي فترة ولايته الأولى، تبنى أوباما سياسة "إعادة التوازن" نحو آسيا. وقد عني بذلك تسليط الضوء على الأهمية الأكبر لهذه القارة، لكن هذا التحول لم يحدث إلى حد كبير، وتواصل الولايات المتحدة مساعيها للتغلب على الصين دبلوماسياً. وأفريقيا أيضاً تسترعي الاهتمام، حيث يجتاح العنف والفوضى العديد من البلدان. ومن المقرر أن تستأنف محادثات السلام الدقيقة حول مستقبل أحدث دولة في العالم، وهي جنوب السودان.

وينبغي ان تعكس السياسة الخارجية للولايات المتحدة وجهود وزير خارجيتها أهداف الدولة الاستراتيجية ومصالحها الملحة. وللأسف، فإن تقويم كيري لا يبدو وكأنه يتناسب معها.

لقد اقترح "كيري" خطة للنظر فيها من قبل إسرائيل والفلسطينيين. وقد يكون من الحكمة أن نترك ذلك للتفاوض مع الطرفين في الوقت الراهن، الأمر الذي يجعلهم عازمين على التوصل الى اتفاق. وقد يكون من الأفضل بالنسبة له قضاء الوقت في التفكير حول وسائل لمعالجة التفاعلات الجديدة بالمنطقة، والتفكير في رؤية بعيدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ناهيك عن افريقيا وآسيا.

من ناحيتها، نشرت صحيفة "هاآرتس" الاسرائيلية مقالا لدانييل ابراهام، مؤسس مركز الشرق الاوسط للسلام في واشنطن، جاء فيه ان خطة السلام التي يعرضها وزير الخارجية الاميركي جون كيري هي آخر فرصة تحصل فيها اسرائيل على اتفاق يتعاطف مع اهتماماتها، وان كيري سيكون آخر موفد ترسله الولايات المتحدة في المستقبل المنظور يتفهم تلك الاهتمامات.

وبينما تمضي المفاوضات قدما مع ايران، سيكون من المهم الحفاظ على التواصل مع اسرائيل وطمأنة الدول العربية المعتدلة تجاه نوايا الولايات المتحدة.

ولكن الأهم من ذلك، أنه يتعين على كيري تخصيص مساحة من الوقت لسائر المناطق التي تكون مصالح – واهتمامات - الولايات المتحدة أعظم.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

*نائب مساعد لوزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية (2003 – 2005)