المسؤولية الفلسطينية...

بقلم: 

المأساة الإنسانية حقيقة جارحة مُبكية. والمسؤولية الفلسطينية الأولى في الوصول إليها، هي حقيقة ساطعة أيضاً. الإكتفاء بالجانب الإنساني في مقاربة المسألة الفلسطينية في مخيمات الشتات هو أصلاً "سياسي" ولو، للمفارقة، من خلال تجهيل البعد السياسي وحذفه. إن مشهد المآسي والمهجرين لم يكن ليتحقق لولا خطيئة مكونات الحركة الفلسطينية السياسية والعسكرية، ولولا إمعانها، في غرابة تستدعي إعادة القراءة والتشريح، في استهداف الدول التي حضنتها واستقبلتها، ولولا سياسة حرف البوصلة التي تحكمت برؤوس قادتها وارتباطاتهم.

 

ليس مفهوماً تحويل البندقية إلى الأردن ولا الإصرار على حكم لبنان واستعمال أراضيه، ولا دعم اجتياح الكويت التي دفعت الغالي والنفيس للمنظمات الفلسطينية. وخاصة ليس مفهوماً الإنقلاب على النظام السوري الذي وازن بين محاولة احتواء القرار الفلسطيني في تجميع أوراقه الإقليمية والتعاطي بمساواة مع الشعب الفلسطيني. النهج الذي خلا من الهواجس الكيانية التي تحكمت بسياسات الملكية الهاشمية في الأردن وسياسات الجماعات اللبنانية في خلال الحرب. لا يمكن استطراداً فهم هذه السياسات إلا من زاوية تمحور الحركات الفلسطينية في سياسات الإنقسام بين صراعات الأنظمة العربية والإقليمية، وتنطحها لأدوار هيمنة وسيطرة، وفي المرحلة الراهنة السياسات المذهبية التي اتبعتها حركة "حماس" على عتبة التوهّم بانتصار وتسيّد الإخوان المسلمين في قيادة عالم "ما بعد الربيع" العربي.

طبيعة المخيمات الديموغرافية والسكنية تزيد من سهولة استخدام مصطلح "المخيم" في الخطاب الناقص. المخيم الذي تستعمله قوى عسكرية مسلحة لبناء تحصينات يُشرِف عليها خبراء متخصصون، وللتسليح، والمشاركة في حرب لا ناقة للقوى الفلسطينية فيها ولا جمل، يصبح خليطاً بين التجمع السكني والموقع العسكري الذي يستخدم سكان المخيم دروعاً بشرية. "تل الزعتر" لم يكن هدفاً لمأساة إنسانية فحسب إنما كان أولاً أسطورة في التحصين العسكري والتسليح والقنص والحواجز، وليس مخيماً خالصاً، وكذلك إخوانه في لبنان وأردن السبعينات ويرموك "المطحنة" السورية.

نقاش ما حلّ بالمخيمات الفلسطينية وشعبها في المشرق العربي، يستدعي أولاً إجابات من القوى العسكرية الفلسطينية ورهاناتها الإقليمية. للأمانة بعض القوى الفلسطينية وخاصة من خلال السلطة الحالية، قدَّم جزءاً من نقد ذاتي خاصة في التجربة اللبنانية الأليمة. إن المآسي الإنسانية وأعمال القتل معروفة وماثلة في الأذهان ولا حاجة للتذكير بها في خطاب سياسي. وفي الجانب اللبناني السياسي والثقافي لا بد من الإشارة إلى "تيار فلسطيني" حقيقي، لا يرتبط بالقضية الفلسطينية كعنوان إنساني وعربي، بقدر ما ارتبط أيضاً بمناخ ومنظومة سياسية وفكرية ومالية خلقتهما القوة السياسية والعسكرية الفلسطينية.

وللتذكير، فإن السيطرة السورية على لبنان نافستها أيضاً السيطرة الفلسطينية واستباحتُها أرضه، بعيداً من انقلاب التحالفات والإختلاف في حجم التدمير المادي والمعنوي الذي ألحقته الصراعات الإقليمية بالنسيج اللبناني، وفي حجم الوصاية والتأثير في طبقته السياسية والفكرية الخارجة من رحم الحرب.

 

 

 

 

المصدر: 
النهار