قطار التسوية يصل إلى كارثة

بقلم: 

مهما قيل في أسباب عودة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من تبريرات وأهمها عدم الرغبة في إغضاب «الراعي» الأميركي، يظل أنها مفاوضات تقع خارج سياقها. في السياسة، تذهب الأطراف المتنازعة نحو الحلول والتسويات تحت ضغط المشكلة، ورغبة في تفادي تفاقمها، فيما لا تبدو هذه المفاوضات الجديدة في سياق كهذا. بكلام أوضح، لا يبدو الطرف الإسرائيلي بحاجة الى التسوية كي يكون مستعداً لتقديم تنازلات للوصول إليها، فكيف إذا كانت التنازلات المطلوبة من ذلك النوع «المؤلم»، الذي ينتمي الى ما بات يعتبره السياسيون الإسرائيليون نوعاً من الثوابت التي لا يجوز الاقتراب منها.

مأزق أية تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أنها يتوجب أن تقوم على اقتسام ما لا يمكن تقسيمه، إذ هو من «ثوابت» الطرفين المتصارعين منذ قرن ونيف، وهي حقيقة تجعل الأمر مستحيلاً إلا في حال وحيدة لا تبدو لنا اليوم في أفق الصراع، ونعني اختلال موازين القوى لمصلحة الطرف الفلسطيني إلى حد يجعل التمسك بتلك «الثوابت» من الطرف الإسرائيلي نوعاً من مغامرة طائشة وعبثية. هي حال وحيدة تفضي الى التسوية، أما دون ذلك فالحكومات الإسرائيلية لن ترى نفسها مضطرة للوصول الى تسوية مع الجانب الفلسطيني ما دامت قادرة في شكل أو آخر على التعايش مع أية صعوبات تنتج من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لأنها ببساطة ليست صعوبات استراتيجية مصيرية.

اليوم يبدو الأمر كله على نحو أشد خطورة، إذ إن «راعي» المفاوضات الأميركي تقدم بمقترحات تقوم أساساً على نقطتين على جانب كبير من الخطورة، أولاهما التسوية المرحلية، والثانية تثبيت يهودية الدولة.

لا يستطيع المفاوض الفلسطيني إزاء مقترحات كهذه أن يتحايل على فكرة الرفض الكامل لعرض كهذا، وهو مطالب في الوقت ذاته بتقديم «مرونة» للطرف الأميركي (وضمناً للطرف الإسرائيلي بالطبع)، وهي مرونة تقع في قلب أهدافه الإستراتيجية وتضرب في عمق ثوابته، أي أنها بكلام أوضح لن تكون إذا حدثت سوى استسلام كامل لن يفضي إلا إلى تصفية قضية فلسطين في مقابل حل موقت لا يمس جوهر الصراع الذي امتد على قرابة سبعة عقود طويلة.

صار من باب التكرار الممل التشديد على ما بات منذ زمن طويل مجرّباً ومعروفاً. فالمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي في ظل موازين القوى الراهنة، بل أيضاً في ظل الظروف الدولية الراهنة ليس سوى نوع من العبث، لكنه هذه المرة أصبح عبثاً ضاراً، بل فادح الضرر في ظل سعي الإدارة الأميركية الجدي الى تحقيق أي «نصر» في موضوع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي حتى وإن لم يكن سوى بيع الوهم للفلسطينيين وسوقهم للوقوع في فخ الحلول الجزئية والموقتة من دون مساس جدي بالسياسات الإسرائيلية وأهمها الاستيطان. في حال كهذه، يصبح من الأهمية بمكان أن يتوقف الفلسطينيون، قيادة وفصائل ومؤسسات مجتمع مدني، بجدية أمام مسؤوليات تاريخية لا تقبل التأجيل في وقف المفاوضات والعودة من جديد الى الأهم وهو أمس واليوم وغداً ترتيب البيت الفلسطيني واستنهاض أدوات المواجهة مع الاحتلال بما يكفل توفير الحد الأدنى من القدرة على الحفاظ على حيوية قضية فلسطين وحيوية فكرة مقاومة الاحتلال من أجل دحره أو بالأقل العمل على مراكمة وسائل وأدوات دحره عن الأرض الفلسطينية.

واضح لأي مراقب أن دحر الاحتلال مهمة لا تقع في قاعات التفاوض المحكومة بشروط بالغة القسوة، إذ هي بالغة الاختلال لمصلحة إسرائيل، وأي قول آخر غير هذا ليس سوى الوهم ذاته.

المصدر: 
الحياة