د. جورج حبش في ذكراه
في السادس والعشرين من هذا الشهر عام 2008 ، غيب الموت د . جورج حبش القائد المؤسس لحركة القوميين العرب ومن ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأول قائد حزبي على مستوى العالم يتخلى عن موقعه القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفي منظمة التحرير الفلسطينية ، كونه كان عضواً في المجلس المركزي الفلسطيني وفي المجلس الوطني الفلسطيني . وهو من الشخصيات التي رفضت العودة للوطن بعد اتفاقات أوسلو رغم أن مؤسسات الجبهة الشعبية القيادية خيرت كل أعضائها وقيادييها بالعودة لأرض الوطن أو البقاء في الخارج . وقد عاد عدد من قيادتها في هذا الإطار . وأصر على أنه لا يريد العودة وجندي إسرائيلي يقف على الحدود ، وأنه لن يعود إلا مع اللاجئين الفلسطينيين كما صرح في ذلك الوقت.
إن د . جورج حبش قدم للحركة الوطنية العربية والفلسطينية الكثير في الممارسة والأفكار الفكرية والسياسية والتنظيمية . وحصر مسؤوليته منتصف عام 2000 تاريخ تخليه عن موقعه القيادي في تقديم الاستشارة لقيادة الجبهة الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية . وبخاصة في قضايا الوحدة الوطنية الفلسطينية والفكر الصهيوني .
لقد عمل د . حبش منذ نعومة أظافره في خدمة أبناء شعبه الفلسطيني ، بدءاً بعودته للعمل في مدينة اللد مع العاملين في المجال الصحي عام 1948 وهجرته مع ذويه من مدينته إلى رام الله ومن ثم لعمان ، وعمل في عيادته مع د . وديع حداد لخدمة قرى ومخيمات ومدن الضفة والأردن وبخاصة في مخيم الكرامة . وفي العمل السياسي ساهم بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وأفرز لها الكادر السياسي والعسكري للعمل معهم ومنظمة أبطال العودة أكبر دليل على هذا . حيث أفرزت هذه المنظمة للعمل مع منظمة التحرير الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي قبل تأسيس الجبهة الشعبية ، التي كانت منظمة أبطال العودة أحد مؤسسيها . وبنفس الوقت ساهم في تأسيس فرع فلسطين وشباب الثأر وهما عضوان في حركة القوميين العرب ، ومن شهدائهما خالد أبو عيشه عام 1964، ورفيق عساف ومحمد اليماني عام 1966 وأسر لها أعضاء مثال سكران سكران .
لقد حافظ د . ج . حبش على الوحدة الوطنية الفلسطينية ، فكان يقول ويعمل دائماً من أجل إزالة الاحتلال وكان يرى انه بدون الوحدة الوطنية من الصعب جداً إزالة الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض والشعب الفلسطيني . حتى وهو يعمل من أجل الفقراء والمهمشين من أبناء شعبنا فإنه لم ينس بأن إزالة الاحتلال وعودة اللاجئين وتقرير المصير لشعبنا ، يحتاج دائماً للوحدة الوطنية ولمنظمة التحرير الفلسطينية ببرنامجها الوطني .
وكان د . حبش دائماً مع الديمقراطية الحزبية وللشعب كله . فقد كان أول من تخلى عن موقعه القيادي كأمين عام للجبهة الشعبية عام 2000 على مستوى الأحزاب في العالم أجمع ، ولا أذيع سراً أنه كان يريد أن يتخلى عن هذا الموقع عام 1987 . وكان يريد الإعلان عن هذا في عيد الجبهة في يوم 11 / 12 / 1987 في حينه ولكن ما منعه من ذلك هو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى قبل هذا التاريخ بأيام فقط . لقد كان دائماً مع الديمقراطية أكان ذلك في إطار الحزب أو الشعب .
لقد حرص د . حبش على الموقف السياسي للتنظيم في كل مراحل النضال الفلسطيني وعلى الجماعية في اتخاذه ، وعلى وحدة الشعب الفلسطيني في مجابهة الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية ، وعلى ديمقراطية الشعب في اتخاذ القرار النهائي . وما يميز د . حبش عن غيره من القادة هو تواضعه وسماعه للآراء وبخاصة آراء الأعزاء الفاعلين في الدفاع عن الوحدة وعن المهمشين والمناضلين من أبناء شعبنا ؛ وأفرد وقتاً للمثقفين من أبناء شعبنا وأمتنا العربية . وهذا ما دفع الرئيس ياسر عرفات للقول : " إن ضمير الثورة والشعب هو د.جورج حبش ".
- ماذا لو كان جورج حبش لا زال حياً في هذه المرحلة ، ولا زال قيادياً فاعلاً فلسطينياً وعربياً ، او لا زال أميناً عاماً للجبهة الشعبية ولا زال أميناً عاماً لحركة القوميين العرب ؟!
لقد كان عضواً أساسياً في منظمة التحرير الفلسطينية ، وكان الرئيس عرفات يقدره ويجله حتى أنه أطلق عليه لقب ضمير الشعب والثورة . ورغم ذلك فقد كانت الوطنية الفلسطينية عنده فوق كل اعتبار تنظيمي أو شخصي , فقاد جبهة الرفض الفلسطينية ، والمعارضة الفلسطينية ضد اتفاق أوسلو ، وحرص على الوحدة الوطنية وعلى منظمة التحرير الفلسطينية لأن بوصلته دائماً ضد الاحتلال للأرض والشعب . فكان حريصاً على وحدة كل التيارات الفلسطينية رغم كونه وتنظيمه يمثلان تيار العمال والمهمشين من أبناء شعبنا .
- ولو كان بيننا الآن ، لحرص أولاً ؛ على مواجهة الاحتلال . وثانياً على الوحدة الوطنية وليس على المفاوضات مع إسرائيل أولاً . لأن الأمران لهما صلة وثيقة بالتناقض الأساس مع الاحتلال . وهذا يتطلب عدم الرهان على أمريكا ووزير خارجيتها ، فأمريكا وقبل تأسيس إسرائيل كانت تنظر لتواجدها هنا وفي منطقتنا باعتبارها مصلحة عليا لأمريكا ، فإسرائيل قوية مصلحة عليا أمريكية هكذا كانت ولا زالت . والمصالح العليا الفلسطينية ، تتطلب منا مجابهة الاحتلال ميدانياً وعلى المستوى السياسي الدولي .
هكذا كان ينظر جورج حبش للاحتلال وهذا هو الاحتلال الآن . وهكذا علينا أن ننظر له ونتعامل معه . وللمواجهة على المستوى السياسي : هي الشرعية الدولية وقراراتها . لهذا اعتبر د . حبش الشرعية الدولية والتمسك بها ، والمؤتمر الدولي لتنفيذ قراراتها وليس للتفاوض عليها . أساساً للتحرك السياسي الفلسطيني دولياً .
لقد كان د . حبش مع الديمقراطية للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية ولكل شعوب العالم ، لأنه كان ينظر لها باعتبارها قيمة . لهذا بدأها بنفسه هو ، وسار على دربه آخرون من رفاقه .
وكان يعتبر د . حبش أن الشعوب العربية هي دائماً مع الثورة الفلسطينية ، وأن الحكام العرب لا يريدون لهذه الثورة أن تقوى لأنها تقوي هذه الشعوب على حكامها .
هذا هو د . جورج حبش الذي قضى حياته منذ ما قبل 1948 وحتى استشهاده عام 2008 وهو يناضل من أجل شعب فلسطين وحريته واستقلاله ، ومن أجل وحدة الأمة العربية ، وكان قائداً ومؤسساً لحركة القوميين العرب وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ونحن أبناء وأحفاد د . حبش ورفاق الدرب نقول في ذكراه للشعب الفلسطيني ولشعوب الأمة العربية جمعاء أننا سنبقى أوفياء لنضال حبش ورفاق دربه .
*عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية