غاز إسرائيلي لغزة وقريباً لتركيا

بقلم: 

اكتشف الإسرائيليون كميات كبيرة من الغاز قبل اربع سنوات وحققوا بسرعة كفاية حاجاتهم لإنتاج الكهرباء من حقل تامار القريب من حقل ليفيتان، أي العملاق، الذي يمتد على مقربة من المياه الاقليمية اللبنانية، والذي ربما كانت اجزاء منه تقع في المياه الاقليمية اللبنانية.

واكتشافات الغاز في اسرائيل وفرت للاسرائيليين طمأنينة الى المستقبل. فالاقتصاد الاسرائيلي الذي كان يستند الى المعونات الاميركية، والاعفاءات الضريبية لمن يتبرع لإسرائيل من الاميركيين، كاد ان يواجه الافلاس قبل نهاية الثمانينات عندما تفجرت أوضاع المصارف واضطرت الحكومة الإسرائيلية الى تأميم جميع المصارف.

الحقبة التي امتدت من أواخر الثمانينات حتى أواخر التسعينات شهدت تطوراً سريعاً في اسرائيل للصناعات الحربية والالكترونية وانتاج الادوية، كما البرامج المعلوماتية، وساهم في كل هذه التطورات المهاجرون الروس من الجاليات اليهودية في روسيا وكان غورباتشيوف اول من شجع الروس اليهود على الهجرة الى اسرائيل وسهل لهم هذه الهجرة.

وبلغت اعداد المهاجرين الروس مئات الآلاف وباتوا يشكلون نسبة ملحوظة من سكان اسرائيل، وهنالك مهاجرون يهود أيضاً من اوكرانيا ساهموا في تنشيط الاقتصاد الاسرائيلي، وبفضل الوجود الروسي والاوكراني زادت الصادرات الالكترونية والاستشفائية والعسكرية في اسرائيل الى مستوى تجاوز الـ22-24 مليار دولار سنوياً. والشركات التقنية، العسكرية الانتاج، وشركات صناعة الادوية الاسرائيلية المسجلة للتداول في سوق نيويورك صار عددها الثالث، بعد الشركات الاميركية والكندية، وتالياً استطاعت هذه الشركات الاستفادة من التطورات المالية والاقتراضية الدولية لأن لها موقعها في السوق المالي في الولايات المتحدة.

وقد ساعد اتخاذ موقع في أسواق المنتجات والبرامج الالكترونية وارتفاع عدد الشركات الاسرائيلية المسجلة في السوق الاميركية، على طمأنة الإسرائيليين الى موقع اقتصادي يتجاوز الاعتبارات الاقليمية ومساعي الدول العربية لمقاطعة اسرائيل.

في المقابل، اقتضت زيادة عدد السكان نتيجة الهجرة الوافدة، وبناء المستعمرات، وتحريك صناعة الاسلحة، وزيادة طاقة انتاج الكهرباء بسرعة، العمل على تأمين مستوردات الطاقة. ولما كانت الدول العربية القريبة تحجب صادرات النفط عن اسرائيل نظرياً، اتجهت هذه نحو استيراد النفط الايراني أيام الشاه، واستمرت في ذلك بعد تولي الامام الخميني ادارة شؤون البلاد، وبقيت الحال على هذا المنوال فترة، ومن ثم كان على اسرائيل ان تسعى الى الاستيراد المستقر، واستطاعت ان تحقق جزءاً من حاجاتها عبر الاستيراد للنفط ومشتقاته من مصر، كما تعاقدت على شراء الغاز المصري لكفاية حاجاتها الملحة منذ التسعينات.

ومعلوم ان صادرات الغاز المصرية الى اسرائيل تقطعت بعد قيام الثورة على حكم الرئيس حسني مبارك في كانون الثاني 2011، وخط نقل الغاز الى اسرائيل فجّر مرات عدة، وطرحت تساؤلات عن اسعار الغاز المتفق عليها، وتالياً تضاءل اعتماد اسرائيل على الغاز المستورد من مصر وقت كانت اكتشافات حقول الغاز الكبرى قد تحققت لاسرائيل ولم تعد لديها مخاوف من حيث توافر الغاز مستقبلاً، بل انها واجهت موقتاً ضرورات استيراد كميات لإحلالها محل الغاز المصري المتقطع في الاستعمالات الإنتاجية التي خصص لها هذا الغاز.

تنوعت البدائل من الغاز المصري، سواء بزيادة استيراد المازوت لاستعماله في محطات انتاج الكهرباء التي يمكن ان تشغل على الغاز أو المازوت (علماً أن كلفة المازوت أعلى بكثير) أو باستيراد الغاز المسيّل خصوصاً من قطر التي نسجت علاقات اقتصادية وتبادلية مع اسرائيل منذ الانقلاب على حكم الشيخ خليفة بن حمد عام 1995.

اليوم الصورة مختلفة تماماً. اسرائيل لا تعاني قلقاً من توافر موارد الطاقة، بل هي بدأت تبحث عن سبل لتصدير الغاز الى مواقع تحتاج الى استهلاكه أو الى مراكز لاعادة التصدير وشبك الانتاج الاسرائيلي بالاسواق العالمية للغاز لاختراق اسواق الدول الصناعية، ولا سيما منها الدول الاوروبية التي هي جغرافياً اقرب الى اسرائيل من اسواق اليابان والهند والصين، التي يمكن ان تحصل على الغاز بسهولة أكبر من غرب اوستراليا، وعبر أنابيب تمد من روسيا وقازاخستان في اتجاه الصين.

وأول عقد طويل المدى لتوفير الغاز انجزته اسرائيل مع شركة فلسطينية لتوفير 4,5 مليارات متر مكعب من الغاز على 20 سنة لتشغيل محطة كهرباء حديثة يجري بناؤها في جنين لكفاية حاجات سكان غزة الذين يعانون ندرة الكهرباء، وكانوا يعتمدون سابقاً على الغاز من مصر أو على استيراد المشتقات النفطية.

والأمر الذي يدعو الى التساؤل هو لماذا لا تشمل المحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية في رعاية اميركية تسهيل انتاج الغاز من المياه الاقليمية المتاخمة لغزة لكفاية حاجات الفلسطينيين؟ ومعلوم ان شركة الغاز البريطانية حققت أول اكتشاف للغاز في المناطق البحرية في شرق المتوسط عام 2000 في مياه غزة، وشاركت الشركة الاختصاصية البريطانية في مسؤولية التنقيب شركة C.C.C للمقاولات، والصندوق الوطني الفلسطيني، والكميات المكتشفة كافية لتغطية حاجات غزة من الغاز لانتاج الكهرباء والاستعمالات المنزلية لعقود، لكن تطوير الحقل حالت دونه شروط إسرائيلية تتعلق بخط التمديد من مناطق الانتاج الى مراكز الاستهلاك في غزة. ذلك ان اسرائيل فرضت ان يمتد الخط في اراضيها، من أجل كفاية حاجاتها، او بعض حاجاتها اولاً، ومن ثم تمكين الفلسطينيين من استعمال الغاز المنتج من اراضيهم، او بالاحرى مياههم الاقليمية، أضف أن تمديد الخط في الاراضي الاسرائيلية يمكن الإسرائيليين من التحكم بالتسليمات في أي وقت.

ان تأخير استثمار الحقل الفلسطيني يخدم مصلحة اسرائيل حالياً ويمثل عقد التسليمات من الحقول الاسرائيلية أول منطلق للتصدير، كما ان هذا العقد يشبك الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي بصورة تبعية، ويوفر لاسرائيل القرينة بانها دولة مصدرة للغاز يمكن الاعتماد عليها. وتسعى اسرائيل الى انجاز اتفاق مع تركيا لمد خط أنابيب بحري يربطها بها ويؤمن نقل كميات من الغاز لاستعمال الاتراك، وتنشأ وحدات لتسييل الغاز ومن ثم لتصديره الى الاسواق الاوروبية.

وجدير بالذكر ان مستشاراً لشؤون الطاقة كان يعمل بصورة وثيقة مع هيلاري كلينتون عندما حاولت تقريب الفلسطينيين والإسرائيليين وضع سيناريو لتطوير حقول الغاز في اسرائيل يستند الى اعتماد تركيا كمركز أساسي لتسييل الغاز وتصديره وربما ربط الخطوط الممتدة من اسرائيل بحراً بخطوط للغاز تمتد براً في اوروبا الغربية.

الصورة كلما اتضحت تظهر ان العالم العربي، ولبنان بالطبع، حجارة في لعبة المحاور الدولية والدور المطلوب منهما غائب عن ادراكهما.

المصدر: 
النهار