الرجل الذي جعل تحقيق السلام مستحيلا

بقلم: 

منذ وفاة أرييل شارون، تسود وسائل الإعلام الإسرائيلية حالة من التذمر بسبب انعدام أي رد رسمي فلسطيني، لا سيما من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيما يتعلق بوفاة الرجل.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الشعور الذي يمكن أن يتوقعه الإسرائيليون من رئيس فلسطيني، أو بالأحرى من أي مواطن فلسطيني، تجاه شارون؟ هل من المفترض أن يحتفل الفلسطينيون بأعمال العنف وإراقة الدماء التي جرت ضدهم برعاية شارون طوال مسيرته العسكرية الطويلة؟ أم من المفترض أن يثنوا على السياسات التوسعية الاستعمارية التي تبناها ضدهم طوال مسيرته السياسية الطويلة؟

لقد كان احترام قدسية الموت وحده هو الذي جعل صمت المسؤولين الفلسطينيين هو الرد الرسمي الفلسطيني المناسب على وفاة شارون. يعتقد الكثيرون أنه جرى تبرير تاريخ شارون الطويل من العنف وإراقة الدماء، وربما هذا ما دفع منظمة «هيومان رايتس ووتش» لإصدار بيان عبرت فيه عن أسفها أن الرجل مات من دون أن يُقدم للمحاكمة بسبب الجرائم التي ارتكبها ضد الفلسطينيين.

لم يتردد شارون في الكذب على رؤسائه ورفاقه حتى يحقق أهدافه المنشودة. وعندما حدث خلاف بينه وبين زملائه الأعضاء في حزب الليكود، الذي شارك في إنشائه، قدم استقالته على الفور وشكل حزبه كديما (إلى الأمام). فشارون كان يؤمن دائما بأن التقدم إلى الأمام هو مهمته ورسالته في الحياة.

لقد فاقت عداوته تجاه الفلسطينيين كل الحدود، فقد استخدم شارون جميع أساليب العنف ضدهم. وخلال مسيرته، لم يقدم على اتخاذ خطوة واحدة إيجابية باتجاه التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين تؤدي إلى إحلال السلام. لقد كان الباعث الوحيد وراء جميع السياسات التي تبناها هو إرغام الفلسطينيين على الاستسلام.

عندما كان ضابطا شابا في منظمة الهاغاناه تحت قيادة إسحق رابين، شارك شارون في عمليات التهجير الجماعي للفلسطينيين عن منازلهم. وفي عام 1953 عندما كان قائدا للوحدة 101 في الجيش الإسرائيلي، أشرف شارون بنفسه على تنفيذ مجزرة قبية. وفي بداية سبعينات القرن الماضي، قاد الكثير من الهجمات ضد معسكرات اللاجئين في غزة عندما كان قائدا لقيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي. أما في عام 1982، فقام شارون بتوسيع نطاق الهجمات ضد لبنان وحولها إلى حرب شاملة، وهو ما نتج عنه فيما بعد المذابح التي ارتكبت ضد المدنيين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، وهي المذابح التي قالت لجنة إسرائيلية إن شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عنها. وكنتيجة لذلك التقرير، أُجبر شارون على الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع في بداية عام 1983.

وفي عام 2000، اقتحم شارون المسجد الأقصى في القدس وهو ما أدى إلى إشعال الانتفاضة الثانية. وفي عام 2002، توج شارون مسيرته السياسية بأن أعاد احتلال المناطق التي تقع تحت سيطرة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقام بتدمير مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله. وقد عبر شارون عن أسفه علنا أنه لم يقتل عرفات نفسه في ذلك الوقت.

لم يكن المسار العنيف الذي تبناه شارون منفصلا عن معتقداته وأفكاره الآيديولوجية، فقد كان ذلك المسار هو المرآة التي تعكس تلك الأفكار. لم يكن الرجل يؤمن أبدا بأهمية تحقيق السلام، إلا من خلال الرؤية التي يفرضها هو. وقد عارض اتفاقية السلام التي جرى توقيعها بين إسرائيل ومصر في عام 1979، كما عارض الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في عام 1985، وكذا توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993. وامتنع شارون عن التصويت في الكنيست على التوقيع على معاهدة سلام مع الأردن في عام 1994، وعارض أيضا توقيع اتفاق الخليل في عام 1997، كم عارض الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في عام 2000.

يقول البعض إن شارون تغير بعد توليه منصب رئيس الوزراء في عام 2001، وإن تحوله عن أفكاره القديمة بدا أكثر وضوحا في عام 2005 عندما سحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وفكك المستوطنات التي جرى بناؤها هناك. لكن تلك الرؤية أثبتت سذاجتها، حيث لم تتغير آيديولوجيات شارون ولا قناعاته، فقد كان التغيير فقط في الأساليب.

كان شارون يريد إقامة دولة يهودية خالصة بداية من نهر الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط، ولهذا أرقه احتمال وجود أغلبية ديموغرافية فلسطينية في نهاية المطاف. وطوال مسيرته، كان الرجل يشجع بناء المستوطنات الإسرائيلية، كما كان من أكبر الداعمين لفكرة الاستعمار الاستيطاني العشوائي في القدس المحتلة والضفة الغربية.

أما مشروع شارون المفضل، فقد كان إعادة توطين الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية. ففي ثمانينات القرن الماضي، كان شارون يروج لفكرة أن «الأردن هو فلسطين» ويزعم أن الدولة الفلسطينية ينبغي أن تجري إقامتها على الأراضي الفلسطينية، وأنه ينبغي إعادة توطين الفلسطينيين ليعيشوا في دولتهم الواقعة شرق نهر الأردن.

إلا أنه وبعد أن جاء اتفاق أوسلو في عام 1993 ثم معاهدة السلام مع الأردن في عام 1994 بما لا تشتهيه سفنه، وجد شارون أنه ينبغي عليه تعديل خطته. ثم سيطرت عليه فيما بعد فكرة الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، وحشر الفلسطينيين في أقل مساحة أرض ممكنة والحط من قدر موقفهم القانوني، في مقابل حماية الأغلبية اليهودية.

وإزاء عدم قدرته على طرد الفلسطينيين من أرضهم، بدأ شارون في تنفيذ خطته التي تقضي بترحيل الفلسطينيين داخليا عن طريق بناء الجدار العازل في عام 2002، الذي ابتلع 11 في المائة تقريبا من أراضي الضفة الغربية. كما كثف بناء المستوطنات في القدس والضفة الغربية، وخلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء، زاد عدد المستوطنين بنحو 70,000 نسمة ليصل إجمالي عدد سكان المستوطنات إلى نحو 460,000 نسمة.

وعندما قرر شارون الانسحاب من قطاع غزة، كان بمقدوره الاحتفاظ بسيطرة إسرائيلية مطلقة على الحدود البرية والجوية والبحرية للقطاع، في الوقت الذي تخلى فيه عن مسؤوليته عن ثلث السكان الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي المحتلة. وكان جل ما فعله في ذلك الوقت أن قام بسحب 8,000 مستوطن من قطاع غزة.

لم يكن هدف شارون الرئيس هو إبقاء السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، بل كان يهدف إلى السيطرة على القدس والضفة الغربية، حتى يتسنى في نهاية المطاف ضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية إلى إسرائيل.

لقد كان شارون عقبة كؤودا في طريق تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فقد عانى الفلسطينيون كثيرا من أعمال العنف التي ارتكبها ضدهم. وعلى الرغم من كل تلك الممارسات، لم يستطع شارون تحقيق الأمن أو الهدوء أو السلام لإسرائيل. لكنه نجح في تحويل حل الدولتين إلى مجرد سحابة من الغبار.

المصدر: 
نيوروك تايمز