أي توجه يحمله هاربر؟
التصريحات المتباينة التي أطلقها رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر من على منصة مقر الرئاسة الفلسطينية، وأمام "الكنيست" في الكيان، لا تكشف إلا عن الوجه الحقيقي للسياسة الكندية التابعة بإخلاص للولايات المتحدة و"إسرائيل"، ولا يمكن إلا أن تؤكد وجود مشروع ما لتذويب هوية الفلسطينيين، اللاجئين منهم على وجه الخصوص، وإلغاء حقهم غير القابل للنقاش في العودة إلى أرضهم التي اقتلعوا منها، وتعويضهم عن مآسي عقود من التشرد والضياع والمعاناة .
هاربر الذي استبق زيارته إلى فلسطين المحتلة ببيان أصدرته حكومته حول القضية الفلسطينية، وتناول مسألة الاستيطان في الأراضي المحتلة، لم ينبس ببنت شفة في المناسبتين اللتين ألقى كلماته فيهما، عن الاستيطان . وعندما انتقل من رام الله إلى مقر "الكنيست" لم يتورع عن الانقلاب مئة وثمانين درجة على المواقف المعلنة منه قبل ساعات، وأخذ يطلق التصريحات الداعمة للاحتلال وكيانه، والتأكيدات على الحرص عليه وعلى مصالحه .
حتى إن الرجل لم يخجل ولم يحترم سيادة دولته عندما قال أمام أعضاء "الكنيست" إن كندا ستعترف بدولة فلسطينية، بعدما تعترف بها "إسرائيل"، وكأنه به يقول إن الكيان هو المخول التوقيع على أوراق الاعتراف الكندية بالدولة الفلسطينية بصفته الحاكم الفعلي لكندا ومن يرسم سياستها الخارجية، وفي هذا دليل على انصياعه أولاً لأوامر الاحتلال، وثانياً لإملاءات الولايات المتحدة جارة بلاده، التي أثبت أنها لا تعدو كونها، سياسيا، مجرد حديقة خلفية لأمريكا .
مثل هذا السياسي الذي سلم زمام الأمور لغيره يجب ألاّ يستقبل على الأرض الفلسطينية، ومثل دولته يجب ألاّ يسمح لها- فلسطينياً على الأقل- بمواصلة السير في المشروع غير المعلن للقضاء على حق العودة، وإعادة توطين الفلسطينيين على بعد آلاف الأميال من أرضهم الأم .
التوجه واضح، وبات أوضح من خلال أول ما أكده الرجل أمام مجرمي الحرب "الإسرائيليين" حين وصف حملات مقاطعة الاحتلال بأنها "وجه جديد لمعاداة السامية"، ودان ما زعم أنه "انتقاد انتقائي" ضد "إسرائيل" في المنابر الدولية، ويكفي هذا لتأكيد أن ما يحمله هاربر من توجهات قد يتجاوز الانحياز الأمريكي الكامل للكيان المحتل، ولا ينطوي إلا على دعم غير مشروط ومساندة مجانية .
كثيرون من الساسة الغربيين انتهجوا الطريقة ذاتها في محاولات التآمر على الفلسطينيين وإلغاء حقوقهم، من خلال زيارة الأراضي المحتلة عام 1967 وإطلاق تصريحات مخفّفة أمام القيادة الفلسطينية، ومن ثم زيارة فلسطين المحتلة عام 1948 والجثو أمام قادة ومجرمي حرب الكيان، وإطلاق المواقف الواضحة والصريحة الداعمة لإرهاب الدولة المنظم ونظام الفصل العنصري الوحيد في العالم الحديث .
وتكرار مثل هذه الحالة لا يشي إلا بحقيقة واحدة مفادها أن الاحتلال المتستر بدعاوى الرغبة في التسوية، هو المخوّل وضع أجندة وسياسات ومواقف هؤلاء، وهم الضامنون لاستمراره واستطالة أمده، وهم الداعمون لكل سياساته وجرائمه، أما الفلسطينيون فليسوا إلا مجالاً للمناورة والمماطلة وإطلاق الوعود غير القابلة للتنفيذ، هذا ما يحمله هاربر وأمثاله .
mohamed.obeid@gmail.com