محاولة إلغاء حق العودة عملياً

بقلم: 

أثبتت عشرون عاماً ونيّفاً من عمر تطبيق شراكة اتفاقيات اوسلو بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، أن كل ما في هذه الشراكة المشؤومة من شأنه أن يؤدي إلى إقامة الحواجز أمام الأمل بولادة دولة فلسطينية تستعيد كامل حقوق القضية الفلسطينية الأم، وكامل حقوق الشعب الفلسطيني بأرض وطنه.
ففي أكثر من جولة فاشلة من المفاوضات، تتكشف أمامنا تفاصيل جديدة لخطة اسرائيلية صهيونية كبرى، عنوانها العمل على اقامة وقائع عملية تؤدي الى الغاء عملي لكل حقوق الفلسطينيين الاساسية، وعلى رأسها حق عودة الفلسطيني الى أي بقعة من ارض وطنه.
في البداية أطلت برأسها الفكرة الصهيونية بفرض اعتراف دولي وعربي جديد بدولة اسرائيل، دولة يهودية، أي بإلغاء عملي لحق عودة اي فلسطيني الى الاراضي التي احتلت في العام 1948، اضافة الى حرمان «الاقلية العربية»، التي ما زالت مقيمة في اراضي فلسطين المحتلة العام 1948، من حقها بالاستمرار في إقامتها تلك.
اليوم بدأت تظهر في جولة المفاوضات البائسة، ملامح التفاصيل الثانية من هذه الخطة الصهيونية الكبرى، التي تسعى ايضاً الى خطوات تؤدي الى الغاء عملي لحق عودة الفلسطينيين حتى الى الاراضي التي احتلت في العام 1967، حتى لو اقيمت في ما تبقى من أجزاء لم تُهوّد من هذه الأراضي «دويلة فلسطينية»:
1- 
هذه «الدويلة»، على تفاهة مساحتها المفترضة خاضعة للفكرة الاسرائيلية بجعلها منزوعة السلاح أي أن إسرائيل تخطط منذ الآن، ان تكون هذه «الدويلة»، في حال قيامها، ليست فقط خاضعة للكيان الصهيوني خضوعاً اقتصادياً، كما تبشر الاوضاع بذلك منذ زمن، بل خاضعة ايضاً في المجال الامني، وفي مجال السيادة الوطنية، التي يعتبر حق اي دولة في التسلح، ركناً أساسياً من اركانها.
2- 
برز في جولة المفاوضات الاخيرة مطلب اسرائيلي مكمل تماماً وعملياً لخطوة السيطرة المسبقة على سيادة الدويلة الفلسطينية، وذلك بإثارة المطلب الاسرائيلي، بضرورة تحويل المنطقة الحدودية المفترضة «لدويلة» فلسطين مع دولة الأردن، اي منطقة الأغوار، الى منطقة نفوذ عسكري وأمني وسياسي لإسرائيل، من خلال مرابطة عشرة آلاف جندي اسرائيلي في هذه المنطقة.
ولو نحن تخيّلنا دويلة فلسطينية بهذه الملامح التي ترسم ملمحاً ملمحاً في الجولات المتعاقبة للمفاوضات، وفي الممارسات العملية اصلاً للاحتلال الاسرائيلي، فإننا سنرى كيف ان حق العودة الى اراضي «الدويلة الفلسطينية» الموعودة، سيلغى عملياً منذ الآن، لأن القوة الاسرائيلية العسكرية التي تسيطر عملياً على منطقة الاغوار، ستكون ذات سلطة سياسية وامنية عليا في قبول او رفض اي مواطن فلسطيني يريد ممارسة حقه بالعودة ولو المجتزأة الى «دويلة فلسطين»، وليس الى فلسطين التاريخية.
وهكذا تكتمل تفاصيل الخطة لإلغاء حق العودة إلغاء كاملاً وعملياً منذ الآن والى الأبد:
فالقبول بيهودية دولة إسرائيل عربياً وفلسطينياً، يؤد الى الغاء نهائي لحق العودة الى الاراضي المحتلة في العام 1948.
أما القبول بوضع منطقة الأغوار تحت سيطرة سياسية وعسكرية وامنية اسرائيلية، فسيُلغي ما تبقى من حق العودة، بالسيطرة على الدويلة الفلسطينية، وحدودها مع جوارها العربي.
حتى الآن، تبدو السلطة الفلسطينية أقرب الى مواقف غير بعيدة عن الإقرار بالبند الاول من الخطة (يهودية اسرائيل)، لكن البند الثاني من الخطة مازال لحسن الحظ يلاقي حتى الآن رفضاً قاطعاً من السلطة الفلسطينية. لكن الامر غير الواضح، وغير المطمئن هو انه لا يبدو في يد السلطة الفلسطينية او في خططها القريبة او البعيدة، اي خطة وطنية فلسطينية مناقضة لهذه الخطة الصهيونية، التي تمارس عملياً منذ الآن، والتي تتجه عملياً الى الغاء عملي كامل لحق العودة، بكل تفرعاته وتفاصيله.
لقد اصبح الخطر داهماً، ولا بدّ من العودة بالقضية الفلسطينية، عربياً وفلسطينياً، الى جذورها التاريخية.

المصدر: 
السفير