الثمن الباهظ لسياسة أوباما بالشرق الاوسط
أثارت الأخبار الأخيرة عن استيلاء القاعدة على الفلوجة والرمادي تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت تضحيات الولايات المتحدة في العراق قد ذهبت سدى، كذلك أظهرت مدى إخفاق سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الشرق الأوسط، خصوصاً تجاهله المخاطر الإقليمية الرئيسة.
بدلاً من ذلك، يصب أوباما كل اهتمامه على المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية، علماً أن كل جهوده هذه تذهب هباء، فرغم زيارات وزير الخارجية الأميركي جون كيري المتكررة، بما فيها الزيارة التي انتهت لتوها، لم تشهد "عملية السلام" تقدّماً يُذكر.
يتجاهل مؤيدو "عملية السلام" هذا الواقع، مؤكدين أن هذه المسيرة بحد ذاتها تحمل قيمة أساسية، وأن التقدّم الحقيقي يأتي حين تقترب المهل من نهايتها ويدرك صانعو القرارات أن "الفرصة قد تفوتهم" كي "يخاطروا في سبيل السلام" ويحققوا "سلاماً للشجعان". وعندما تخفق كل المساعي الأخرى، يقول داعمو عملية السلام هذه: "لن نخسر شيئاً".
قد يبدو هذا الخطاب جذاباً في البداية، إلا أنه فارغ في الواقع، فالكشف المتوَقَّع عن جهود أوباما الحالية لا يُعتبر جديداً أو مفاجئاً، لكن المفاجئ حقّاً الإيمان القوي الذي ما زال هؤلاء المؤيدون يعربون عنه، رغم الأدلة الكثيرة التي تعزز احتمال فشل هذه المسيرة، لكن من الضروري أن نشير إلى النتائج السلبية التي تترتب على هذه المقاربة لأننا قد نخسر الكثير إن واصلنا تمسكنا باستراتيجيتهم.
للدبلوماسية كلفة وفوائد، شأنها في ذلك شأن كل نشاطات الإنسان الأخرى، ويؤدي التركيز المفرط على المسائل الإسرائيلية-الفلسطينية إلى ما يدعوه علماء الاقتصاد "تكلفة الفرصة البديلة"، خصوصاً ضياع فرصة التركيز على مسائل أكثر أهمية أو قضايا يبدو فيها احتمال التقدّم ممكناً، ولا شك أن هذه مشكلة خطيرة.
تقع الكلفة المباشرة على عاتق الطرفَين الأساسيَين، خصوصاً الفلسطينيين الذين استُغلوا وأسيئت معاملتهم طوال عقود لا على يد الإسرائيليين، بل من المتشددين في الشرق الأوسط الذين حوّلوا "فلسطين" إلى محور مهاجمتهم وجود إسرائيل بحد ذاته.
مع تحويل الانتباه عن الإخفاق المتكرر في إنشاء مؤسسات حكم شرعية وتمثيلية، يعاني الفلسطينيون فساد سلطة وعدم فاعلتها واقتصادا منهارا وقلة المهارات الاقتصادية المفيدة، ،تدني الاستثمار الأجنبي القيم، ووجودا يعتمد على المعونات تعززه الأمم المتحدة وبرامج الإغاثة.
يجب أن يشعر "المجتمع الدولي" المتفاخر بالعار لتركيزه على سراب "فلسطين"، بدل الطموحات الاقتصادية الأساسية للفلسطينيين.
نتيجة كل ذلك، ما من كيان فلسطيني يستطيع القيام بنوع الالتزامات الضرورية أو تطبيقه بغية دعم اتفاق سلام حقيقي والحفاظ عليه، ويُعتبر هذا السبب الرئيس الذي يؤكد حتمية إخفاق جهود أوباما وكيري الراهنة.
ربما يتحمل القادة الفلسطينيون الأفراد مسؤولياتهم، ولا يسعون وراء الثروة أو السلطة، لكنهم عاجزون عن تقديم ضمانات ملائمة لدعم أي اتفاق على الأمد الطويل.
في المقابل، يواجه الإسرائيليون مشاكل أكبر، خصوصاً برنامج الأسلحة النووية الإيراني، وبروز الإرهاب مجدداً، وفشل الربيع العربي. ولا شك أن كل ساعة يمضونها في التحدث إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن بناء الشقق في الضفة الغربية هي ساعة ضائعة لا يخصصونها لمسائل أكثر خطورة.
على نحو مماثل، يُوجَّه وقت الولايات المتحدة ومواردها بعيداً عن مشاكل أخرى أكثر إلحاحاً، بعضها في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، فلا يُعتبر برنامج إيران العسكري النووي مجرد مشكلة إسرائيلية أو مشكلة إسرائيلية في المقام الأولى، بل مشكلة الولايات المتحدة. ومن المؤسف أن إدارة أوباما تقترف الخطأ عينه كسابقاتها بمحاولتها (وإخفاقها) إقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية من خلال المفاوضات.
بالإضافة إلى ذلك، يعرّض سوء حكم أوباما وعدم تركيزه المنطقة بأكملها للخطر، على سبيل المثال، يعود تفكك ليبيا في جزء منه إلى فقدان أوباما اهتمامه بهذا البلد بعد الإطاحة بالقذافي، ما أدى إلى عمليات قتل في بنغازي في 11 ايلول عام 2012، علماً أن هذه العمليات لا تزال بدون أي ردّ أو تبرير بعد مرور 16 شهراً، كذلك تغرق سورية في الفوضى، شأنها في ذلك شأن سياسة أوباما تجاهها، فقد بدت هذه السياسة غير متجانسة إلى حد محرج طوال ثلاث سنوات تقريباً.
تكثر الاضطرابات أيضاً في شمال إفريقيا، في حين يهدد الإسلاميون المتطرفون الحكومات القائمة، ويتخبط جنوب السودان وسط حرب أهلية، وسيحذو كثيرون حذوه قريباً، ومرة أخرى، نشهد تمرد تنظيم القاعدة مجدداً إلى العراق.
على الصعيد العالمي نرى مشاكل توسّع الصين الخطيرة في آسيا، أضف إلى ذلك جهود الروس لإعادة بسط هيمنتهم في أوكرانيا والقوقاز وغيرهما من دول الاتحاد السوفياتي السابق، فضلاً عن برنامج كوريا الشمالية العسكري النووي المخيف.
لا شك أن اللائحة طويلة؛ لذلك يفرض تركيز أوباما على المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية، مستثنياً القضايا الأخرى الأكثر إلحاحاً على الأمد القصير وأكثر خطورة على الأمد الطويل، كلفة باهظة على الولايات المتحدة والإدارات اللاحقة.
أخيراً، يجب ألا ننسى خطر أن البيت الأبيض سيحاول مع اقتراب مهل "مسيرة السلام" من نهايتها فرض حلّ على إسرائيل، وإن حدث ذلك، فسيهلل البعض لهذه الخطوة، معتبرين إياها تأكيداً لنجاح جهود أوباما، إلا أنها في الواقع مجرد دعاية فارغة.
يجب أن ترغب كل الأطراف في السلام من تلقاء نفسها، تماماً كما شدد وزير الخارجية الأميركية جيم بايكر مراراً، وينبغي أن تكون أيضا قادرة على تحقيقه، وإلى أن يتحقق هذان الشرطان، لن تكون مسيرة السلام مضيعة للوقت فحسب، بل خطيرة أيضاً.
*سفير الولايات المتحدة السابق إلى الأمم المتحدة