لماذا يدفع الفلسطيني دائما الثمن

بقلم: 

تراجيديا الفلسطينيين في مخيم اليرموك في دمشق تدمي القلب. أن يموت الفلسطيني قتلا أمر، للأسف، بات غير مستغرب، ولكن أن يموت جوعا، جراء الحصار وانعدام الماء والدواء والغذاء، هو دليل مخجل على موت الضمير عند من فرض الحصار، وعلى المجتمع الدولي الأخرس على جريمة مثل تلك التي حدثت على شواطئ ايطاليا أو قبرص، وقد يموت اغتيالا، أو تحت التعذيب في المعتقلات الاسرائيلية أو العربية،’أو كمدا، أو غما.

يعمّر البشر ويغادرون هذه الدنيا بعد نوبة قلبية أو دماغية حادة، أو حادث سير، أو صراع مع مرض قد يطول. أما الفلسطيني’ فيغادرها، عادة مبكرا، قتلا بالرصاص أو بالطائرات أو تحت الركام او غرقا في قوارب فرارا من الموت في سوريا.

الفلسطيني دائما يدفع ثمن الخلافات بين الاشقاء العرب. والتاريخ حافل بالاحداث المخزية.عندما وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد، اعترض العالم العربي على تلك الخطوة’ فكان ان طرد النظام المصري الالاف من الطلبة الفلسطينيين. في الحرب الاهلية اللبنانية وجد الفلسطينيون انفسهم في وسط المعترك وكان ان انحازوا الى القوى الوطنية واليسارية والقومية، ودفعوا الثمن قتلى وجرحى ومهجرين.

أخطأ ياسر عرفات خطأ تاريخيا فادحا بتأييده لاجتياح صدام حسين للكويت في اب/ أغسطس 1990، وقامت الحكومة الكويتية، التي أعادها الامريكان في 1991 بطرد مئات الالاف من الفلسطينيين، وبذلك فقدوا مصدر رزقهم، وبيوتهم واعمالهم واستثماراتهم ومدخراتهم بسبب ذنب لم يقترفوه. المعروف ان الفلسطينيين من اطباء ومهندسين ومعلمين وعمال.. هم الذين بنوا الكويت الحديثة في المجال الصحي والتعليمي خاصة، فكانت هذه هي مكافأة نهاية الخدمة التي منحتها لهم الحكومة الكويتية! ثم انتقمت الحكومات العراقية المتتالية، التي دخلت بغداد على الدبابات الامريكية، وكذلك المليشيات الطائفية بعد الاحتلال’بأن عاملت الفلسطينيين أسوأ معاملة أيضا على جرم لم يقترفوه. قتل المئات وفر المئات منهم وعلقوا على الحدود الأردنية العراقية عام 2003′. القذافي ومبارك تركوا الفلسطينيين أشهرا على الحدود المشتركة في وضع مزر ايضا من قبل في عام 1995. والان تعود الحكومة المصرية التي تسمي نفسها ثورة الثلاثين من يونيو (وفي رواية أخرى انقلاب الثالث من يوليو) لتكيل الاتهامات جزافا للفلسطينيين عامة ولحكومة غزة خاصة بمسوؤليتها عن تفجيرات ليس لحماس بها من ناقة أو بعير، ويشن الاعلام المصري حملات مسعورة لا تنتهي ضد الفلسطينيين، يجاهر النظام المصري الجديد واعلامه، الذي يشبه الى حد كبير الان الوليّة الرداحة، بأن الفلسطينيين هم اعداء مصر الآن.

دمر الجيش اللبناني مخيم نهر البارد وشرد ساكنيه في عام 2007 بعد معاركه مع فتح الاسلام. قبضت الحكومة اللبنانية الملايين’لاعادة اعمار المخيم، ولا أحد يدري في أي جيوب عميقة اختفت تلك الاموال وبقي الفلسطينيون مشردين حتى الان في لبنان بحجة عدم التوطين والتمسك بحق العودة) كلمة حق اريد بها باطل) يعيش الفلسطينيون في مخيمات أقل ما يمكن أن توصف بها أنها لا تليق’ بالبشر، ويمنعون من التعليم العالي والعمل في اكثر من اربعين مهنة، في ممارسات لا يمكن ان توصف بأقل من عنصرية.

في الازمة السورية لا يمكن للفلسطيني الذي ذاق طعم الظلم الا ان يؤيد الحق، وينحاز الى حرية السوريين وتطلعاتهم نحو حياة كريمة، والافلات من الاستبداد والفساد. النظام السوري الذي يقتل شعبه بالطائرات والبراميل المتفجرة، هل يستغرب منه ان يقتل الفلسطينيين ويحاصرهم ويجوعهم’ في’ اليرموك’؟ من يسوم أهله صنوف العذاب والتنكيل والقتل، أليس عبثا أن نطالبه بأكرام الضيف؟ لا تبحثوا عنده عن المروءة والشهامة، فقد انقرضت.

هذا السرد ليس نكأ للجراح، فهذه الجراح لم تلتئم من قبل أصلا، والشعوب العربية، بمعظمها عاملت الفلسطينيين بالحسنى، ولكنها الحكومات والأنظمة الفاسدة هي التي اساءت للضيوف. المؤلم حقا ان اي مواطن يتعـــرض للظلم في مكان ما، يحزم حقائبه ويعود لوطنه. في الحـــالة الفلسطينية الأمر مختلف، فلا وطــــن يأوي الفلسطيني اليه، انها رحلة التيه المذلة المتكررة على الحدود والمطارات والمعـــابر والقوارب، وفي أحسن الاحوال مخيمات جديدة، وكأن العلاقة بين الفلسطيني والخيمة ما زالت تتجدد منذ أكثر من ستة عقود ونيّف. لقد مل الفلسطيني الخيمة ومقتها، وما زال يتوق الى حدود مفتوحة وجواز سفر لا يحتقره موظفو المطارات’ وسماء صافية بلا طائرات تقصف وتقنص ووطن بلا معتقلات ولا خيام.’

 

 

المصدر: 
القدس العربي