إسرائيل عدونا الحميم

بقلم: 

 

 ثمة مقولة لا تتوقف جماعة الممانعة عن تردادها، مفادها أن أي بلاء يحلّ بنا تكون إسرائيل هي المستفيدة منه. موقعنا من البلاء ليس مهماً، الضرر الذي أصابنا ليس مهماً تعويضه إن كان قابلاً للتعويض، فالمهم أن تتجه الأنظار إلى إسرائيل المستفيدة الحصرية. بموجب هذا الزعم نحن لا نعدو كوننا أدوات، ولا نحظى من لحظات التوقف عند مصيرنا ما يتجاوز لحظات العزاء السريعة، إن حظينا بها فعلاً. قيمتنا لدى جماعة الممانعة لا تزيد عن القيمة التي لنا لدى إسرائيل التي يزعمون أنها تستهدفنا طوال الوقت. فالأخيرة ترانا وسيلة لتمرير مخططاتها، وهم أيضاً يروننا على الشاكلة ذاتها. إذاً لا جريمة فعلية تُرتكب في حقنا، لأن القاتل الذي يخدم إسرائيل لا يستهدفنا لذواتنا، ولأن الضالعين في كشف الخبايا الإسرائيلية يعون ذلك ولا يرون في قتلنا محنة خاصة بنا، ولا يريدون منحنا هذا الترف.

هي وظيفتنا كقتلى، بدءاً من براميل الموت التي تتساقط على حلب، مروراً بحصار وتجويع غوطة دمشق، وانتهاء باغتيال محمد شطح وأولئك الذين صادف وجودهم في مكان الجريمة لحظة اغتياله. وظيفتنا أن نبرهن على الشرّ الإسرائيلي، وألا نتساءل عن القاتل المباشر، القاتل الأداة مثلنا، فهو لأنه أداة مثلنا لا يستحق التحرّي عنه، هو ليس ذاتاً بدوره، وليس مهمّاً مَن يكون، وحتى ليس مهماً لأي تيار سياسي انتمى ما دام فعله يصب في خدمة العدو الإسرائيلي. أدوات تقتل أدوات أخرى، لا جريمة إذاً تستحق التوقف مطوّلاً عندها، لا قاتل ولا ضحايا جدد لأن القاتل الأكبر موصوف ومعروف منذ ما يزيد على الستة عقود، ولأن الضحايا معروفون أيضاً ولا داعي للتوقف عند أسمائهم. القاتل الطليق الذي يخدم إسرائيل يقتنصنا كفرصة لتمرير رسالته، أحياناً يقتنصنا بالجملة؛ هكذا لأن لا رسالة يريد تمريرها الآن، أو فقط لأن موتنا لا بد أن يكون مفيداً على نحو ما.

صراعاتنا وعداواتنا الخاصة بدورها لا أصالة لها ولا تملك شيئاً من الاعتبار، لأنها أصلاً تخدم إسرائيل، والقتلى الذين يسقطون فيها هم في النتيجة ضحايا إسرائيل أيضاً، أما القاتل منا فهو لا يرتكب جريمة سوى جريمة خدمة الأعداء. لكن مهلاً، هنا يصير التمييز ضرورياً بين أنواع من القتلى وأنواع من القتلة، التمييز الذي يجري تغييبه في جريمة اغتيال محمد شطح مثلاً ينبغي أن يُقام بقوة في المجازر الجماعية التي يتعرض لها السوريون. هنا أيضاً ينبغي التمييز بين السوريين أنفسهم، فأولئك الذين ثاروا "خدمة للعدو الإسرائيلي"يستحقون مصيرهم مهما بلغ عددهم ونسبتهم من السكان، إبادة مئات الآلاف لا تكفي ليكون منفّذها قاتلاً، بل تصنع منه بطلاً، وحيث أمكن للقاتل أن يكون مكشوفاً جداً وأن تكون الجريمة فادحة جداً فذلك يصنع منه بطلاً، أما عندما تقتضي الضرورة إخفاءه فهو مجرد عميل صغير للعدو.

إسرائيل عدونا الحميم، وجودها يعفينا من الكثير من الأسئلة، هي الإجابة على مشاكلنا العويصة، وتلك التي لا يُراد حلّها أبداً. وهي فوق ذلك مساهِمة في السلم الأهلي لمجتمعاتنا، إذ يكفي أن نرمي عليها بكل أوساخنا لنتطهّر منا، ولينام القتلى والقتلة هانئي البال. لذا، القاتل الذي يخدم إسرائيل يجب أن يبقى غامضاً وطليقاً، فهو أيضاً يخدم أهدافنا، يقتلنا لئلا تضيع بوصلتنا عن عدونا. لنفترض أن لا وجود لإسرائيل، أليست هذه كارثة؟ 

إسرائيل ضرورة لنا، ولو أن آباءها المؤسّسين أدركوا حجم الخدمة التي يقدّمها لنا وجودها لربما أقلعوا عن فكرتهم من أساسها، لربما زيادةً في النكاية تركونا هكذا عراة من دون عدوّ. حقاً، لو فعلوا ذلك، كيف كنا سنعيش من دون إسرائيل؟ أية مأساة سنكون فيها؟ كيف سنتدبر أمورنا مع القتلة الذين لا أسياد إسرائيليين لهم، أو مع القتلة الأسياد منا؟

 

 

المصدر: 
المدن