حول "دولة اسرائيل اليهودية"

بقلم: 

 

تواصل تقارير الأنباء الإشارة إلى أن العقبات الرئيسة أمام أي اتفاق خلال الجولة الحالية من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية هي الرفض الفلسطيني الذي يمكن تفهمه لقبول المطلب الاسرائيلي بأن تعترف فلسطين صراحة باسرائيل "كدولة يهودية"- وهو مأزق قانوني وفكري غريب من الواضح أن الهدف منه هو جعل أي اتفاق مستحيلا، بينما يعزز في الوقت نفسه حملة العلاقات العامة الاسرائيلية الفاشلة لتحميل الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال المسؤولية عن نجاح اسرائيل في تفشيل المفاوضات.

قبول الفلسطينيين لهذا الطلب الاسرائيلي قد يمثل الخضوع الفلسطيني الظاهر لوضع من الدرجة الثانية للمواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، وتمييع حقوق ملايين من اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة لقبول فلسطيني ضمني لتطهير فلسطين عرقيا وتبرير ذلك أخلاقيا.، وهذا بالتالي سيقتضي الاعتراف بأن الفلسطينيين أقل من مستوى البشر، وليسوا مؤهلين للحقوق الإنسانية الأساسية.

ولا يمكن لأي قيادة فلسطينية أن تقبل هذا الطلب وتستمر في البقاء. وهذا هو السبب في تقديم اسرائيل لهذا الطلب.

وبينما لا يتوقع سوى عدد قليل من الناس أن تسفر الجولة الحالية من المفاوضات عن أي نتيجة (وهي المفاوضات التي تقول وسائل الإعلام الاسرائيلية أن بنيامين نتنياهو يريد تمديدها عاما آخر بعد انتهاء موعدها النهائي أواخر نيسان، ليتمكن من قتل الوقت بينما يواصل بناء المستوطنات) فإن دولة فلسطين تستطيع ويجب أن تقوم بعمل بناء الآن لتجريد "الدولة اليهودية" من معناها، وهو المعنى الذي يبدو أن رئيس الوزراء الاسرائيلي يعتبره أفضل أمل له لتحويل اللوم، على الأقل من وجهة النظر الغربية، إلى الفلسطينيين.

تستطع دولة فلسطين، ويجب عليها، أن تجدد التأكيد على أن حق اسرائيل في تحديد هويتها أمر يتعلق بالاسرائيليين (وليس الفلسطينيين)، وبعد ذلك يعلن الفلسطينيون أنه إذا اختارت اسرائيل أن تغير اسمها من "دولة اسرائيل" إلى "دولة اسرائيل اليهودية" فإن دولة فلسطين، في الوقت الذي تتبنى فيه الديموقراطية من حيث المبدأ وتأمل أن تصبح اسرائيل في المستقبل دولة كاملة الديموقراطية، استنادا للحقوق المتساوية ودون تمييز على أساس العرق أو الدين بين مواطنيها جميعا، فستواصل جهودها لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لدولة فلسطين، وستدخل في أي اتفاقات قد يتم التوصل إليها لاحقا مع دولة اسرائيل اليهودية التي أعيدت تسميتها.

وهذا كله مع استثناء واحد سيوضح تاليا، مفاده أن لكل دولة الحق في تحديد "اسمها النهائي" والإعلان عنه وفقا لما تريده.

هناك أربع "جمهوريات إسلامية" رسميا وهي جمهورية أفغانستان الإسلامية، وجمهورية إيران الإسلامية، وجمهورية موريتانيا الإسلامية، وجمهورية باكستان الإسلامية.

بعض الأسماء الرسمية أصيلة، مثل جمهورية الأوروغواي الشرقية (التي سميت هكذا لأن الدولة واقعة على الضفة الشرقية لنهر أوروغواي) وجمهورية فنزويلا البوليفارية (المسماة هكذا لأن سيمون بوليفار هو البطل الشخصي لهوغو شافيز).

وبعض الأسماء الرسمية لا منطق لها إلى حد السخف، مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية، وجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية...أو ربما "دولة اسرائيل اليهودية الديموقراطية".

اسمان رسميا لهما وضع وثيق الصلة بالعائلة المالكة، المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية : (الأردن يحمل هذا الاسم بسبب العائلة الهاشمية الحاكمة التي انتقلت من الحجاز بعد سيطرة آل سعود على أجزاء كبيرة من الجزيرة العربية).

في إحدى الحالات تم فرض الاسم من قبل الأمم المتحدة كشرط للعضوية فيها. وقد رفض الطلب الدولي ولا تستعمله تلك الدولة "جمهورية مقدونيا اليوغسلافية سابقا"، وتفضل تلك الدولة أن تسمى "جمهورية مقدونية". لكن حقها في استخدام هذا الاسم تنازعها فيهز اليونان<

وباختيارهما فإن كلا من جمهورية مولدوفيا ودولة فلسطين مدرجتان في ترتيب الأمم المتحدة الهجائي تحت حرفي "ج" (جمهورية) و "د" (دولة) على التوالي، بينما جمهورية مقدونيا اليوغسلافية سابقا وطواعية تم إدراجها ضمن حرف "س" (سابقة). وإذا أرادت دولة اسرائيل اليهودية التأكيد على طابعها اليهودي من خلال إدراجها تحت الحرف "ي" (يهودية)، (كما أكدت دولة فلسطين وضعها كدولة تحت الحرف "د") فإن رغبتها من المفترض أن تلبى.

وإذا منحت اسرائيل الوضع الرسمي "كدولة يهودية"، وكان ذلك نتيجة لاهتمام حكومي اسرائيلي حقيقي أو شعور عميق الحاجة لذلك من جانب الشعب الاسرائيلي، وليس ببساطة مجرد مناورة، ساخرة لتحقيق الفشل في المفاوضات وتبريره، وإذا كانت الحكومة الاسرائيلية ترغب في الإعلان رسميا للعالم عن هذا الوضع، فإن الطريق مفتوح، ولا شيء سيوقف اسرائيل عن تنفيذ ذلك بنفسها. وعلى أي حال فإن تحديد اسرائيل المفضل لهويتها واسمها الرسمي ليست من الشؤون التي لدولة فلسطين أي دور تلعبه فيها.

وإذا كانت الحكومة الاسرائيلية لا تجرؤ على الإعلان رسميا عن كونها "يهودية" (وتقبل مخاطر الالتزام بالقيام بذلك)، فكيف تستطيع مطالبة اولئك الذين تم احتلال دولتهم واستيطانها والذين تشرد شعبهم وهُجِّروا القيام بذلك نيابة عن دولة اسرائيل؟.

وسواء أكان أم لم يكن للقيادة الفلسطينية في رام الل أي أمل أو (تخوف) بأن تسفر جولة المفاوضات الحالية عن نتيجة، فعليها أن تظهر للعالم مدى التصنع في مطلب الحكومة الاسرائيلية، ومعقولية الرفض الفلسطيني لقبوله بشكل واضح تماما، وبعبارات يستطيع المجتمع الدولي، وخصوصا الحكومات الغربية، فهمها.

المصدر: 
القدس