غزة والتطرف

بقلم: 

نادرة هي تلك الأخبار التي تتسرب إلينا من غزة، وكأن سلطة حماس بعد الانفراد بها وبأهلها أسدلت على هذا القطاع من فلسطين ستارا حديديا يذكرك بما حدث لبلاد شرق أوروبا مع نهاية الحرب العالمية الثانية في فترة الحكم الستاليني لروسيا. ولذلك جذب اهتمامي بشدة ذلك الخبر الذي نشرته جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 27 ديسمبر (كانون الأول) 2013 عن تصريحات لوزير داخليتها يعلن فيها خطته للعمل الأمني، (كلمة الأمن من عندي)، حيث يخلو الخبر من أي إشارة لأي عمل أمني «لمح فتحي حداد إلى نيته فصل عناصر الأمن الذين لا يلتزمون بأداء صلاة الفجر التي تثبت مدى التزام المؤمن، كما أعلن أنه سيقوم بتشكيل قسم نسائي خاص بهيئة التوجيه السياسي. وتعرض حماد لانتقادات واسعة حتى داخل حماس في الشهور الماضية إثر إطلاق وزارته حملات (فضيلة) استهدفت شبانا يرتدون (السروال الساحلي) وآخرين يقلدون مشاهير في (تسريحة الشعر) ومحالا تعرض ملابس نسائية ومقاهي تسمح للنساء باستخدام النارجيلة».

ولا كلمة واحدة عن وظيفة الرجل ومهمته وهو أمن الناس وسلامتها والحفاظ على حقوقها الإنسانية. هو نموذج نادر للعقل المتطرف، عندما يحتل منصبا يتيح له تحويل شعبه إلى ضحايا لأفكاره الغريبة عن الدين والدنيا المحيطة به. أما ما قيل عن الانتقادات التي وجهت إليه من داخل حماس نفسها، فلا أعتقد أنها تعبر عن مواقف صادقة، من المستحيل أن تسمح حكومة على الأرض لوزير داخليتها بالاستمرار في منصبه بعد إعلانه لكل هذه الأفكار إلا إذا كانت متحمسة لها، والباقي توزيع أدوار. جهد الإنسان كم ثابت، وما كان يجب أن يخصصه في حفظ الأمن وترقية رجاله وأسلوب وزارته أمنيا، سيضيعه في مجهود يهبط بوزارته وحكومته إلى أوحال مستنقعات التطرف. لك أن تتصور ما سيحدث في مرحلة التطبيق، هل سيقوم بعمل «تمام» لضباطه وجنوده في كل جامع عند صلاة الفجر؟ وبعد ذلك تأتي الشهادات الصحية المضروبة للغائبين. هل في هذا القرار تصريح للصوص وقطاع الطرق بالعمل على راحتهم في هذا الوقت بعيدا عن أعين رجال الشرطة الذين امتلأت بهم الجوامع فجرا؟ للوهلة الأولى عند قراءة الخبر، ستفكر في مدى ما يمكن أن يصل إليه العقل المتطرف من خبل ومن انفصال وعزلة عن العالم، غير أنني إلى جوار ذلك أقرأ فيه مضمونا آخر هو إفلاس سلطة حماس الحاكمة للقطاع وضعفها الشديد، الذي أوصلها لهذه الحالة من بؤس الإدارة والتفكير. هذا إعلان بنهاية تعسة قريبة لحكم جماعة الإخوان فرع فلسطين. لست أعني بذلك أنه ستحدث ثورة في غزة ضد حكومة حماس، فالتعساء المقموعون لا يثورون، غير أن التاريخ له إبداعاته في التخلص من هؤلاء الذين يعيقون مسيرته، والحياة قادرة على حماية نفسها من هؤلاء الكارهين لها. من الواضح أن خروج جماعة الإخوان المصرية سابقا (الإرهابية حاليا) من الحكم، لم تقتصر آثاره على وادي النيل وحده. كل قادة التطرف الآن في المنطقة كلها يشعرون بتضييق الخناق عليهم وبأنه لا مستقبل لهم. نعم لا مستقبل للتطرف والإرهاب في المنطقة العربية، لا في غزة ولا في غيرها.

المصدر: 
الشرق الأوسط