فلسطين: خطة كيري ـ 2

بقلم: 

يتوقع المسؤولون الفلسطينيون بأن يتقدم الوزير جون كيري وفريقه المفاوض بعرض خطة مكتوبة على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مطلع العام المقبل أو ما بات يعرف بخطة كيري 2. وكشف الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين في الجامعة العربية بأن الرئيس محمود عباس سوف يقوم بدوره بعرض الخطة الأميركية على الجامعة العربية لاتخاذ موقف عربي مشترك منها.
الجانب الفلسطيني الرسمي رفض فكرة تمديد فترة المفاوضات- كما طلبت الإدارة الأميركية -، كما رفض الانخراط في حلول مرحلية أو انتقالية. هذا ما أكد عليه كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات الذي أوضح بأنه لا مجال للحديث عن أوسلو 2 كما يتم تسريبه إعلاميا. كما أن المطلوب حاليا هو إنجاز اتفاق نهائي يجيب عن كافة الأسئلة ويغلق كافة الملفات العالقة، وليس الحديث عن ترتيبات مرحلية.
هذا ما يقوله عريقات في تصريحات صحفية، ولكن ما الذي يحدث حقيقة خلف الكواليس، وفي الصالونات المغلقة، في ظل الحديث عن طبخة كبيرة يجرى العراب الأميركي إعدادها على نار حامية، وفي ظل أنباء تتكهن بتحضير الوزير كيري لعاصفة سياسية تتضرب المنطقة على غرار العاصفة الثلجية التي ضربت الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة. هذا ما تناولته صحيفة هآرتس العبرية والتي اوضحت بأن أسابيع من التعرق تنتظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومحمود عباس بسبب الضغوط الأميركية المتوقعة عليهما لإحداث اختراق سياسي. فيما صحيفة يديعوت أحرنوت ذكرت بأن وزارة الخارجية الأميركية استأجرت 50 غرفة في أحد الفنادق الفخمة في مدينة القدس، وأن عددا كبيرا من أعضاء الطاقم المساعد لجون كيري سيغادرون واشنطن للإقامة في هذا الفندق الواقع على الطريق المؤدية لمكتب نتنياهو في القدس لتأمين اكبر واوسع واسرع شبكة للاتصالات بين الأطراف المتفاوضة.
ويبدو بأن كيري مصمم على النجاح بأي شكل وبأي ثمن قبل نهاية مهلة المفاوضات في نيسان المقبل، كما يبدو بأن الجانب الفلسطيني هو المؤهل أكثر بكثير من الطرف الإسرائيلي لدفع فاتورة هذه الحماسة نظرا لافتقاره لأوراق القوة، وفي وجود الانقسام الفلسطيني، وطبعا فيما بطون الدول العربية مفتوحة في غرف عمليات الربيع العربي.
وتفيد كافة الترجيحات بأننا نقترب من لحظة الحسم، وأن التصعيد الأميركي ضد محمود عباس برسائل مباشرة وغير مباشرة، يهدف إلى الضغط على الرجل من أجل تحقيق تقدم حقيقي في عملية السلام وعدم تفجير المفاوضات. وقد كشف صائب عريقات في مداخلة له في مؤتمر بعنوان "القضية الفلسطينية ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني" عقدها المركز العربي للأبحاث والدراسات في الدوحة بإدارة المفكر عزمي بشارة بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد وجه عبر الوسيط مارتن اندك رسالة رسمية من فقرتين إلى ابو مازن: بأنه في حال أصر الجانب الفلسطيني على تقديم صكوك للانضمام للمنظمات الدولية، فإنه يكون قد تجاوز الخطوط الحمراء وهدد المصالح الأميركية في المنطقة. كما أن الإدارة الأميركية لم تتوقف لحظة عن تهديد الرئيس عباس وتحذيره من مغبة تفجير المفاوضات أو عدم وصولها إلى نهاية سعيدة.
ولكن ما أقلق الفلسطينيين بالفعل وأحبط آمالهم في تحقيق تسوية مرضية يمكن تسويقها سياسيا وشعبيا هي خطة كيري 1 التي وصفها الكاتب محمد حسنين هيكل بالكارثية وفيها تبنى الجانب الأميركي الرؤية الأمنية الإسرائيلية بالكامل، وقام بترحيل الملف السياسي إلى مرحلة لاحقة وتقديم الملف الأمني، وحمل فيها الوزير كيري للرئيس الفلسطيني محمود عباس ثمان مطالب إسرائيلية أمنية بعض ما فيها: 1- بقاء جزء من الجيش الإسرائيلي في منطقة الاغوار عبر نظام استئجار خاص لسنوات عدة يتم التمديد لها وفقا للتطورات الإقليمية، 2 - إقامة محطات نظام إنذار مبكر على سفوح الجبال في الضفة، 3- والسيطرة الإسرائيلية على المعابر والحدود، 4- ويجب على الكيان الفلسطيني المستقبلي بأن يكون منزوع السلاح، 5- والسماح لإسرائيل باستخدام المجال الجوي في الضفة.....
الرئيس الفلسطيني كان رده حازما وحاسما ونهائيا، حيث قام بتسليم الوزير كيري رفضا مكتوبا وموثقا لخطته، واكد محمود عباس فيه على عدم قبوله لتواجد أي جندي إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، ولكنه يقبل بوجود قوات أميركية او من حلف الناتو، كما أكد ان الملف الأمني يجب ان يسير مع الملف السياسي وليس قبله.
التراجع الأميركي عن الحل السياسي، وتركيزه على الحل الأمني، جاء في محاولة لاسترضاء الجانب الإسرائيلي بعد التوقيع على اتفاق جنيف النووي مع إيران، حيث وصف نتنياهو الاتفاق بالخطأ التاريخي ردا على توصيف الإدارة الأميركية له بالإنجاز التاريخي. وتوعد نتنياهو بالتحرك منفردا لوقف البرنامج النووي الإيراني. وخشية الجانب الأميركي بأن يفجر نتنياهو الاتفاق عبر تحريضه لحلفائه في الكونجرس بفرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران. ولكن الإدارة الأميركية اصطدمت بموقف فلسطيني صخري من مقترحاتها الأمنية الإسرائيلية. الأمر الذي دفع كيري إلى التراجع عن خطته الأولي والتي أقل ما يمكن وصفها بجبنه مقدده كثيرة الثقوب - والسعي إلى تخريج خطة كيري 2. والتي يحاول فيها كيري التوفيق بين المطالبا الفلسطينية والإسرائيلية حول الجانب الأمني والسياسي محاولة -، ووضع إطار عام لملامح التسوية تشمل كافة الملفات العالقة.
ولكن لنضع جانيا كل التحليلات والتسريبات والتكهنات والمعلومات على أهميتها وفقط لنستمع إلى ما جاء على لسان الرئيس الأميركي باراك أوباما في معهد سابان لنصل إلى الحقيقة وهي: انه من المستحيل الوصول اتفاقية سلام نهائية، وان اقصى ما يمكن الوصول هو اتفاق إطار على مراحل، كما أن أخطر ما قاله أوباما هو أن على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قبول ذلك.
أوباما خاطب الإسرائيليين والفلسطينيين ببرود أعصاب منقطع النظير. كان واضحا وقاطعا، وجه كلامه أولا للقادة الإسرائيليين قائلا:السلام ضرورة للمنطقة ولبلدكم أولا، والوضع القائم لا يمكن ان يستمر واستمراره ليس في مصلحة اسرائيل لأنه ببساطة، القوة لن تهزم الشيطان الديمغرافي الفلسطيني، والحل يكمن في الفصل بين الكيانين من خلال تأسيس كيان فلسطيني والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية والحل يجب ان يكون على مراحل.
ثم جاء دور الفلسطينيين، فكان كلامه مقررا وصادما، حينما قال لهم: بأنه ليس أمامهم سوى االقبول بالحلول الانتقالية، لأنهم ليس بوسعهم أن يحققوا كل ما يريدون في يوم وليلة، أوباما تحدث بأكثر وأخطر من ذلك: حين قال بأنه يجب عدم تكرار تجربة قطاع غزة في الضفة الغربية، عندما انسحبت منها القوات الإسرائيلية، لتسيطر عليها التنظيمات المسلحة، وهو بذلك ييذهب إلى ما ذهبت إليه جنرالات الدولة العبرية بأنه يجب بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على ااالالضفة والأغوار لفترة من الزمن، إلى ان تطمئن إسرائيل من قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة وضبط تلك المناطق.

المصدر: 
المستقبل