نتنياهو و"النووي" الإيراني

بقلم: 

ليس معظم الإسرائيليين الذين يقودهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وجماعة "الصقور" في الوسط السياسي في واشنطن وأعوانهم في لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) في الكونجرس هم وحدهم الذين يكرهون الاتفاق النووي المؤقت الذي وقعته إيران في نوفمبر الماضي مع مجموعة 5+1 التي تضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ألمانيا. بل يكره الاتفاق أيضا قوات الباسيج وإيرانيون آخرون يؤيدون نهجا متشددا وعدائيا تجاه "الشيطان الأكبر".

 

واشنطن لديها رواسب سلبية ضد الإيرانيين لاحتجازهم العاملين في السفارة الأميركية في وقت الثورة الإسلامية عام 1979، مما أبقى معظم العاملين سجناء حتى عام 1981.

في عام 1908 اكتشف النفط في إيران في الوقت الذي تحولت فيه البحرية الملكية البريطانية وأساطيل دول أخرى من الفحم إلى النفط، وبدأت مشكلات إيران الحديثة في الظهور. ونجت البلاد إلى حد كبير من ويلات الحرب العالمية الأولى، لكن البريطانيين والروس احتلوها أثناء الحرب العالمية الثانية لإبعاد الجيش الألماني عنها وإبقاء النفط تحت سيطرة الحلفاء. وتم إنهاء على الملكية في إيران عام 1921 بانقلاب عسكري لضابط أسس أسرة بهلوي وخلفه ابنه الذي فر من البلاد بمساعدة المخابرات المركزية الأميركية عام 1953. وأعقب هذا حكومة ديمقراطية تجريبية لرئيس الوزراء محمد مصدق الذي أمم إلى حد كبير شركة انجلو-إيرانيان النفطية المملوكة لبريطانيا، ونظمت المخابرات المركزية الأميركية وجهاز إم. آي. 6 الاستخباراتي البريطاني انقلابا لإعادة شاه جديد إلى الحكم وإعادة النفط إلى أيدي الأميركيين والبريطانيين. ومضى الأمر بسلاسة فيما عدا أن الإيرانيين لم يروا حكومة ديمقراطية حتى الآن.

 

فقد فرض الشاه حكماً مطلقاً ومنحه نيكسون وكسينجر دور شرطي أميركا جيد التسليح في الشرق الأوسط، وبهذا الدور شجعت الولايات المتحدة إيران على تطوير الطاقة النووية، وهي أساس المشروع النووي الإيراني الحالي.

 

وتعرض الشاه للنفي هذه المرة عام 1979 وللتخلص من النفوذ الأميركي وإقامة ثورة إسلامية جاءت بالخوميني والحكومة الإسلامية الحالية الموجودة في السلطة. ونفي الشاه هذه المرة إلى مصر التي منحته حق اللجوء بعد أن تولت الولايات المتحدة علاجه من السرطان الذي كان يعاني منه وأرسلته على وجه السرعة إلى مصر وتوفي هناك.

 

ومنذ ذاك الحين أصبح العداء علنيا بين الولايات المتحدة وإيران، فدعمت الولايات المتحدة العراق في حربه مع إيران بين عامي 1980 و1990. وبالنسبة لإسرائيل، فإن سياستها تتمثل في منع إيران، من أن تصبح تهديداً لها في المنطقة. ولذا تعين تحطيم العراق، وهذه الخدمة أدتها لها الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. والآن، إيران تمثل تحدياً، كان "نجاد" بتصريحاته أبرز أداة للدعاية استغلها نتنياهو.

 

ورئاسة روحاني تشكل أخطر تهديد يواجهه نتنياهو لأنها جعلت الكثير من الأميركيين وغربيين آخرين يعتقدون أن إيران قد تصبح قوة سلمية في الشرق الأوسط. ورغم أن تهديداته السابقة بشن هجمات دون استفزاز ضد المنشآت النووية الإيرانية حملت ثقل التعاون العسكري الأميركي مع إسرائيل كما حملت تأكيدات عدائية أميركية بأنه "لا شيء مستبعدا من على الطاولة"، فلم تكن إلا تهديدات أقل من الالتزام العام أو المعقولية الاستراتيجية المجملة لكنه لم يكن أمراً تستهين به إيران.

 

واليوم، الولايات المتحدة هي من يريد تسوية تفاوضية مع إيران وهي التي قادت الجهود للتوصل إلى اتفاق. وهي بلد اعترض الرأي العام فيه على هجوم على سوريا ويريد الخروج من حرب أفغانستان ويلاحظ العجرفة والغطرسة التي يعامل بها نتنياهو الأميركيين. فربما يحظى نتنياهو بشعبية في إسرائيل لكنه ليس شخصاً مفضلًا بين الأميركيين.

 

وللمرء أن يزعم أن نتنياهو فطنٌ بما يكفي ليفضل تسوية أقل من المرضية بشكل كامل مع إيران تضمنها الولايات المتحدة على حرب مع إيران وحلفائها يقف فيها الأميركيون متفرجين.

 

 

المصدر: 
الاتحاد