ليبرمان ويهود جنوب أفريقيا

بقلم: 

لم تنقطع هجرة يهود جنوب إفريقيا إلى فلسطين منذ القرن التاسع عشر، وربما قبل ذلك، وحتى اليوم لأسباب وظروف عديدة؛ حيث ساهم العديد من بينهم في بناء وتطوير وإنشاء مستوطنات ومشاريع ومزارع عدة. كما ساهموا في بناء مدينة (أشكلون) التي قامت على أنقاض بلدة عسقلان العربية على الساحل الفلسطيني، وإنشاء شركة العال للطيران وغيرها من شركات. وكان أول القتلى المجندين في سلاح الطيران الإسرائيلي من يهود جنوب إفريقيا.

وتشير الإحصاءات الواردة في كتاب "الهجرة اليهودية إلى فلسطين" لوليم فهمي، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام 1974، أن عدد اليهود الذين هاجروا من جنوب إفريقيا خلال ما يزيد على قرن من الزمان إلى فلسطين وقبل إنشاء الكيان الصهيوني، أي في الفترة من 1840 إلى 1942 نحو 75.765 نسمة، وأن عدد اليهود في جنوب إفريقيا في نهاية ستينيات القرن الماضي كان نحو 116 ألف نسمة حسب ما جاء في كتاب "الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة" لالياس سعد الصادر عن مركز الأبحاث في بيروت عام 1969. إلا أن عددهم حاليا تدنى إلى نحو 67 ألف نسمة، كما جاء في كتاب "يهود جنوب إفريقيا لنجلاء عبد الجواد الصادر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر، بسبب الهجرة التي حصلت بعد انتهاء حكم التمييز العنصري في تلك البلاد إلى أوروبا والامريكتين، وإلى فلسطين المحتلة أيضا.

من أبرز مساهمات حكومة جنوب إفريقيا زمن التمييز العنصري في إعلاء شأن إسرائيل، كان المساعدة في إنجاز مشروعها النووي. وقد ذكر أفيغدور ليبرمان الذي صادقت الحكومة الإسرائيلية على قرار عودته لتسلم وزارة الخارجية فيها في العاشر من تشرين الثاني نوفمبر الجاري، بعد اتهامه بالفساد والرشوة، بأن على يهود جنوب إفريقيا الذين بقوا فيها كغيرهم من المواطنين البيض الهجرة إلى إسرائيل، وذلك ردا على تصريحات وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا ماتي نكوانانا شابان، التي انتقدت فيها الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعت فيها وزراء حكومتها لعدم زيارة إسرائيل.

وكتب ليبرمان على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك) في مبالغة وتهييج غير مسبوقين: "إن النظام في جمهورية حنوب إفريقيا يخلق أجواء معادية لإسرائيل وللسامية كأن السامية صفة حصرية لليهود فقط مما يجعل القتل الجماعي لليهود في جنوب إفريقيا مسألة وقت ليس إلا!!. ويضيف ليبرمان: "لذا فإنني أناشد اليهود كافة الذين لا يزالون يعيشون هناك، الهجرة والعودة إلى إسرائيل قبل فوات الأوان".

على هذا علقت وكالة أ.ف.ب. الفرنسية يوم 11/11 "وتعرف عن ليبرمان تصريحاته المثيرة للجدل، إذ إنه اتهم أوروبا في كانون الأول ديسمبر الماضي باتباع سياسة معادية لليهود، كتلك التي سبقت المحرقة اليهودية، لأنها تدين المشاريع الاستيطانية". وإضافة إلى ما ذكرته الفرنسية، فإن تصريحات ليبرمان، ليست مثيرة للجدل فقط، بل وتذهب إلى حدود الاستفزاز والمبالغات والتهييج والصلف، علما إنه أصبح وكان من قبل على رأس وزارة الخارجية، التي من المفترض بوزيرها أن يكون في قمة الدبلوماسية والتهذيب والعقل الهادئ البارد. إلا أن ليبرمان يتصرف عكس ذلك في كثير من الأحيان، فهو صرح في وقت سابق، وفي فترة رئاسته لوزارة الخارجية الإسرائيلية في الحكومة السابقة، بأن إسرائيل على استعداد لقصف السد العالي في مصر وإغراقها بالمياه، وذلك ردا على انتقادات معينة وجهتها مصادر مصرية لإسرائيل على قائمة طويلة من الممارسات والأفعال المخالفة للإنسانية. كما إن ليبرمان أطلق تصريحات معادية وسلبية تجاه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. وغير ذلك من تصريحات استفزازية ، إلى درجة أن عددا من رجال السياسة والدبلوماسية في العالم، كانوا وما زالوا يتحاشون اللقاء والاجتماع به.

ويمكن الإشارة إلى أن التهييج الذي أثاره ليبرمان ضد وزيرة الخارجية في حكومة جنوب إفريقيا، وضد حكومتها، رد عليه ناطق باسم الحكومة بالقول "إن حكومة جنوب إفريقيا تطمن اليهود فيها، وإنه لا يوجد ما يخشوه".

إذا ما كان الأمر قد وصل إلى هذا الحد السلبي في التصريحات، بسبب انتقاد وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا لإسرائيل جراء سياستها الاستيطانية في أراض فلسطينية محتلة، فهل يمكن أن تصل الأمور إلى افتعال حوادث عنفية وترتيب تفجيرات ضد المصالح اليهودية في جنوب إفريقيا، تمهيدا لدفع اليهود هناك إلى الهجرة من وطنهم قسرا وضد رغباتهم؟.

إن التاريخ القريب وفي أكثر من بلد، يحتوي على أمثلة وحوادث كثيرة من هذا النوع، نذكر منها على سبيل المثال ما حصل في العاصمة العراقية بغداد في العام 1950، حيث جاء في كتاب "الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة" لالياس سعد الوارد ذكره من قبل، ما يلي" انفجرت قنبلة في كنيس يهودي في بغداد، واتضح في ما بعد أن أحد العملاء الصهيونيين وضعها من أجل خلق حالة ذعر بين السكان اليهود لحملهم على الهجرة، كما انفجرت قنبلة كذلك في مقهى كان يتردد عليه اليهود، وقنبلتان في متجرين يملكهما اثنان من اليهود العراقيين. وقد ألقت السلطات العراقية القبض على بعض الرجال اليهود الذين كانوا ينتمون إلى الهاغاناة وإلى منظمات صهيونية أخرى، بتهمة وضع القنابل في المتاجر اليهودية" (ص 108). هذا عدا مئات الحوادث المفتعلة في بلدان أخرى، وذلك لدفع اليهود وبالقسر والعنف والإغراءات للهجرة من بلدانهم إلى إسرائيل. فهل نشهد وربما عما قريب حوادث مفتعلة من هذا النوع، يمكن أن يواجهها يهود جنوب إفريقيا الذين بقوا في بلادهم؟.

 

 

 

 

المصدر: 
المستقبل