لماذا قررت إسرائيل دعم بقاء الأسد؟

بقلم: 

 

خصصت صحيفة اميركية كبرى صدر صفحتها الاول مؤخراً لاعلان قرار اسرائيل بدعم بقاء على بشار الاسد على رأس النظام في سوريا. والخبر في اعلانه هو تأكيد لما كان معروفاً منذ ان حسم الرسميون الاسرائيليون قرارهم في الموقف من القضية السورية، بعد ان كانت القضية والموقف من صراع النظام مع الشعب السوري محل تفكير ونقاش في الداخل الاسرائيلي سواء في مستوى الشخصيات والاحزاب السياسية او في الموقف الرسمي للدولة الاسرائيلية.

النقاش الاسرائيلي حول القضية السورية، بدأ مع انطلاق ثورة السوريين في ربيع العام 2011، وانقسم الاسرئيليون بين مؤيدين لتحرك السوريين ضد نظامهم الدموي الذي طالما وصفه الاسرائيليون بالاستبدادي والداعم للارهاب، فيما اتجه اسرائيليون آخرون لموقف يؤيد النظام في معركته ضد الشعب السوري انطلاقاً من مصلحة اسرائيل، وهو موقف لم يكن الفريق الاول بعيد عنه، لكن من منطلقات اخرى.
ورغم ان النقاش الاسرائيلي قد استمر طويلاً، وتناول تفاصيل وحيثيات في الصراعات السورية وتطورها، وتأثيرها على اسرائيل ومستقبل الصراع العربي الاسرائيلي بما فيه موضوع الجولان والقضية الفلسطينية، فقد كانت الارجحية في الموقف لصالح الجهاز الامني الاسرائيلي الذي لاحظ مبكراً مصلحة اسرائيل العليا كعادته بصورة واضحة وبدون رتوشات، واتخذ موقفاً بدعم نظام الاسد والتعامي عن مجريات الاحداث في سوريا، وهو في هذا ترك ظلال رؤيته في سياسة الحكومة الاسرائيلية من جهة وفي علاقاتها مع حلفائها ولاسيما الولايات المتحدة، ولايمكن عزل الرؤية الاسرائيلية هذه في تأثيراتها على الموقف الاميركي المميز بتردده بين حدي الصراع والتراخي في الموقف من الاسد وسياساته وممارساته.
ان الجوهري في الموقف الاسرائيلي الذي حسم امره لصالح بقاء الاسد (ونظامه في الاغلب) هو ان الازمة السورية، كرست وطورت موقف النظام في الصراع العربي الاسرائيلي من حيث شكلية الصراع مع اسرائيل من جهة وجوهرية الموافقة على سياساتها العامة، دون ان يعني ذلك عدم خوض صراعات جزئية لها علاقة باطراف الصراع، وليس لبه او جوهره، كما في الصراع حول لبنان او في دعم اطراف داخل الساحة الفلسطينية، مما يديم القضية ولا يحلها، والمقابل الاسرائيلي كان في مسايرة النظام السوري دون السكون عن سياسة عن بعض سياساته، والقيام بعمليات تأديبيه عسكرية كلما اقتضى الحال، وشعر الاسرائيليون ان النظام يخرج عن التفاهمات الضمنية.
غير ان سياق سياسة النظام مع انطلاق الثورة السورية، اخذ يتغير ويتبدل. اذا اضاف النظام الى سياسته القيام باعمال من شأنها الذهاب بكل القوة السورية عبر تدميرها في المستويات كافة في معركته من اجل البقاء في السلطة ليس الا، وهي سياسة تستجيب لمصالح اسرائيل القريبة والبعيدة بالنتيجة، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة المفاصل الاساسية لممارسات نظام الاسد:
ادت ممارسات النظام الى ادخال قوة النظام الصلبة ممثلة بالجيش السوري والأجهزة الامنية في صراع مكشوف مع الاكثرية الشعبية، الامر الذي جعل قوة النظام الصلبة، لا تكشف فقط قدراته للخارج واسرائيل، وانما ان يتم وضعها في مجرى الاستهلاك، حيث جرى تدمير جزء كبير من القوة العسكرية السورية التي خسرت كثيراً من عناصرها البشرية، وتدهورت بشكل خطير قوتها الجوية والمدرعة وسلاحي الصواريخ المدفعية، اضافة الى خسارتها للسلاح الكيماوي الذي طالما اعتبره النظام الجزء الاهم في قوة الردع السورية، عندما وافق على تسليمها وتدميرها وفق برنامج دولي.
الامر الثاني، ان ممارسات النظام الدموية، ادت الى ايقاع اكبر الخسائر بالشعب السوري. وفي المستوى البشري ادت تلك الممارسات الى قتل وجرح واختفاء نحو مليون سوري اغلبهم من العناصر الشابة والكادرات النوعية، كما ادت الى تهجير نحو عشرة ملايين سوري، توزعوا مابين مهجرين داخل سوريا ولاجئين في دول الجوار وجميعهم، يعيشون اوضاعاً تحت مستوى الحد الادني للحياة الانسانية في المسكن والغذاء والصحة والتعليم وغيرهم، بل انه لايمكن القول، ان الباقين من السوريين الذين لم يهجروا، ان حالتهم افضل بكثير من المهجرين، واغلب هؤلاء يعانون من اوضاع حياتية صعبة رغم الجهود التي يبذلها النظام لتمييزهم، وجعل حياتهم افضل باعتبار اغلبيتهم من مؤيدي النظام او الساكتين عن سياساته الدموية خوفاً او محايدة.
اما الامر الثالث، فكان تدمير القدرات المادية واللوجستية للدولة وللمجتمع في سوريا. وبفعل ممارسات النظام تحول الشكل النسبي للدولة الى كيان عصابة مهووس بالامن والحفاظ على السلطة، وتحويل كل ما يمكن من سياسات لتخدم فكرة بقاء النظام ورئيسه ليس الا، وانطلاقاً من هذا الدور للدولة العصابة، صار التدمير سلوكاً يومياً ومطلوباً للاجهزة العسكرية والامنية، التي تم توسيعها الى الحد الاقصى بخلق تشكيلات عنفية جديدة كان منها الشبيحة وجيش الدفاع الوطني، قبل ان يتم استيراد ادوات عنفية خارجية من مليشيات حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس وقوات الحرس الثوري الايراني وغيرهم، وتم تدعيم القوة التدميرية كلها بخبراء روس وايرانيين ومن مصارد اخرى.
لقد عملت تلك القوى على تدمير البنى المادية للمجتمع بما فيها من مساكن واسواق تجارية ومنشآت انتاجية وخدمية في المجالات كافة، بل هي اضافت الى ماسبق تدمير المنشآت والمؤسسات العامة، دون ان تستثني من ذلك الشركات والمؤسسات التي تملكها الدولة اضافة الى المدارس والمشافي والجامعات ودور العبادة وغيرها، كما تم تدمير وتعطيل القسم الاكبر من البنى التحتية من طرق المواصلات وشبكات المياة والكهرباء والصرف الصحي، وجزء من الممارسات الاخيرة تم القيام بها بهدف اخضاع واذلال سكان مدن وقرى، او جاءت في سياق سياسة انتقامية.
ان اعمال العنف والتدمير التي قام بها النظام، استهلكت بعضاً من الامكانات المستقبلية للشعب السوري بمافيها من اتفاقات منظورة او مخفية مع حلفاء النظام، لكن الاهم في نتائج ممارسات النظام هو تدمير قدرات سوريا المتراكمة عبر مراحل سابقة، والامر في الحالتين سوف يتطلب كثيراً من الوقت والجهد والمال، ورهن مستقبل سوريا من اجل اعادة بناء البلد وعودة المهجرين واللاجئين عندما يحين الوقت، مما يعني انه لم يتم اضعاف سوريا في خريطة المنطقة وفي ميدان الصراع العربي الاسرائيلي، وانما اخراجها لعقود من دائرة الصراع مع اسرائيل.
ان المحصلة العامة لسياسات وممارسات النظام خاصة منذ انطلاق الثورة السورية، تؤكد انه ماكان بامكان اسرائيل الموصوفة باعتبارها العدو الرئيس لسوريا القيام بما قام به نظام الاسد، ولان النظام على هذا النحو، فهو يستحق ان يسعى الاسرائيليون للابقاء، ليس على النظام فقط، وانما على رأس النظام ذاته.

 

 

المصدر: 
المستقبل