إلى متى سياسة التدليل لحركة فتح؟

بقلم: 

 

بين الحين والآخر لابد أن نثير الحديث حول المصالحة الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام القائمة في الساحة السياسية والتي تشكل العبء الأكبر على كاهل الشعب الفلسطيني إلى جانب الاحتلال الصهيوني الذي يشكل الهاجس الأكبر والأخطر على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

في الفترة الأخيرة صدرت دعوات متعددة من قيادات العمل الوطني الفلسطيني لإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني على أسس متينة تعتمد على حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني التي من اجلها قدم الشهداء والدماء والأسرى وكان آخرها دعوات الدكتور رمضان شلح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي وسبقها دعوات للسيد خالد مشعل ورئيس الوزراء إسماعيل هنية وجرت العديد من اللقاءات مع القوى والفصائل الفلسطينية من أجل تقريب وجهات النظر وإسقاط الأقوال على ارض الواقع كأفعال ملموسة للمواطن.

يبدو أن هذه الدعوات التي تطلق وتلتقي عليها القوى لمناقشتها لم تفض بعد إلى أي اتفاق أو لم تؤدي على إيجاد وسيلة لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها لأننا حقيقة لسنا بحاجة إلى مزيد من الاتفاقيات بقدر حاجتنا إلى آليات لتنفيذ الاتفاقات الموقعة من قبل كافة القوى الفلسطينية وعلى رأسها اتفاق القاهرة المتعلق بالمصالحة الفلسطينية.

دعوات حماس ولقاءات هنية بالفصائل تهدف إلى دعوة هذه القوى لتحمل مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني وهي كما أكد هنية بأنها ليست بديلا عن اتفاق القاهرة ولكن حتى يتم تنفيذ وتطبيق هذا الاتفاق ليكون واقعا على الأرض لابد من إيجاد آليات كي يتحمل الجميع المسئولية، والدعوة التي قدمها هنا ليست للدخول في مشروع تطرحه حماس على القوى الفلسطينية بل هي تطرح رؤية قبالة للنقاش والقوى تطرح رؤاها في كيفية الشراكة وتحمل المسئولية تجاه الشعب الفلسطيني، بمعنى ان حماس والحكومة تطرح شراكة حقيقية قائمة على تحمل المسؤولية كل حسب إمكانياته وقدراته وليس الهدف فرض رؤية يجب أن يأتي إليها الجميع.

حركة فتح رفضت الاستجابة لهذه الدعوة وعليه لم تشارك في أي لقاء لأن الرؤية لدى قائد حركة فتح محمود عباس أن الجميع عليه أن يأتي إلى مشروعه ورؤيته القائمة على خيار التفاوض وحسب وترك كافة الخيارات، وعلى الجميع أن يترك رؤاه والانصياع إلى هذه الرؤية التي يرى أنها الاصوب وأنها تشكل الحل الأمثل للقضية الفلسطينية في ظل الحالة التي تعيشها المنطقة وأن على الشعب الفلسطيني ألا يضيع هذه الفرصة المتاحة له لإقامة دولته على 22% من مساحة فلسطين التاريخية والاعتراف بالأمر الواقع وحالة الاغتصاب للأرض الفلسطينية مع الاعتراف بالاغتصاب وكيانه.

لا احد ينكر مكانة حركة فتح وقدرتها وتأثيرها وأن أي مشروع أو رؤية مشتركة للقوى الفلسطينية لا يمكن أن يلقى النجاح أو التطبيق دونها، هذا الأمر ندركه وتدركه القوى الفلسطينية ومن أجل ذلك لابد من البحث عن وسيلة فإقناع فتح بضرورة العمل الجمعي بدلا من سياسة لا اريك إلا ما أرى وأنا ربكم الأعلى، وعلى فتح أن تدرك أن هناك متغيرات على الأرض يجب أخذها في الحسبان وإلا سيتجاوزها التاريخ والواقع وسيتركها الجميع تعيش في أحلامها خاصة أن المتغيرات متسارعة والمفاجآت كثيرة وغير متوقعة خاصة في ظل التغيرات التي تجري في الساحة الإقليمية والدولية وإعادة تشكيل التحالفات في المنطقة.

وأمام هذا التصلب لحركة فتح الذي أدى إلى حالة شلل للحركة واثر على وحدة صفها الداخلي وفي نفس الوقت اثر على وضعها كحركة كان لها مكانة كبيرة وهذه المكانة لم تعد كما كانت ولكن لازال لها مكانة في الساحة السياسية الفلسطينية الأمر الذي يتطلب ضرورة أن تعيد فتح التفكير مرة أخرى في مواقفها وقناعاتها وإعادة تقييم المرحلة السابقة والتوقف أمامها مليا ودراستها بدقة للخروج بموقف مخالف لموقفها المتصلب والذي لو استمرت عليه سيؤدي إلى إحداث كسور حادة يصعب على أي قيادة قادمة من إعادة جبرها.

على القوى الفلسطينية أن تبذل جهدا كبيرا من أجل إقناع فتح وإذا لم تفلح لتمضي في جمع الكل الفلسطيني نحو مشروع وطني قائم على الحقوق والثوابت التي لا تسقط بالتقادم ولا تؤثر عليها عوامل الضعف والقوة وترك مساحة لحركة فتح في هذا المشروع حتى لو أعادت التفكير تجد لها مكانة محفوظة وإلا سيبقى الحال على ما هو عليه دون أي تغيير الأمر الذي سيضر بشكل كبير القضية والمشروع الوطني وسيطيل عمر الاحتلال لسنوات طالما بقيت القوى الفلسطينية مترددة وغير حاسمة في تجاوز من لا يريد العمل الجمعي من أجل بناء إستراتيجية فلسطينية يتوافق عليها الكل الفلسطيني لمواجهة المرحلة القادمة.

 

 

المصدر: 
الرسالة