خمسة زائد واحد: الصيغة لحل الصراع

بقلم: 

 

يتضح من مجريات عملية المفاوضات المستمرة منذ حوالي أربعة شهور بين طواقم التفاوض الفلسطينية والإسرائيلية، أنه ليس وارد التوصل إلى حل أو حتى مجرد اختراق بسيط في العملية السياسية. ومما يتسرب من الغرف التي تجرى فيها المفاوضات بعيداً عن وسائل الإعلام، وبرغم حصر التصريح حول تطور المفاوضات في شخص وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لا يوجد مجال على الإطلاق للاتفاق حول أي بند من بنود جدول أعمال هذه العملية. فإسرائيل لم تلتزم بأي شيء لا قبل ولا أثناء التفاوض، ولا يقتصر عدم الالتزام الإسرائيلي على موضوع البناء الاستيطاني الذي ازدادت وتيرته بصورة ملحوظة بعد بدء المفاوضات، بل هو يشمل كل شيء له علاقة بالتسوية. ولا تقر إسرائيل بأية مرجعية تفاوضية لا قرار 242 ولا حدود العام 1967 ولا خارطة الطريق ولا المبادرة العربية للسلام ولا القرارات الدولية الأخرى، والشيء الوحيد الذي يوجه إسرائيل هو حدود الاستيطان وما تدعيه من مصالح أمنية.

الحكومة الإسرائيلية ترفض بشكل قاطع العودة إلى حدود الرابع من حزيران حتى في إطار تبادل للأراضي بنسب بسيطة، بل إن مطالب إسرائيل الإقليمية تتجاوز حتى جدار الفصل الذي بنته في المناطق الفلسطينية المحتلة، وتصر على ضم ليس فقط ما تسميه إسرائيل الكتل الاستيطانية بل كل مستوطنة تعتبرها مهمة حتى لو كانت بعيدة وخارج الجدار، والنسبة التي كان يطالب بضمها رئيس الوزراء السابق أيهود أولمرت، والبالغة 6,5%، وتبادلها معنا، لم تعد قائمة في عرف نتنياهو وحكومته، كما أن إسرائيل تتمسك بالبقاء في غور الأردن والبقاء في محطات إنذار مبكر كتواجد عسكري دائم، بحجة أنها لا تثق بأي طرف ثالث لحماية أمنها، وللفصل بين الجانبين، مع العلم أن الجانب الفلسطيني هو الذي يحتاج إلى الحماية من بطش إسرائيل. بالإضافة إلى رفضها البحث في مسألة القدس، ولا تقبل فكرة عودة لاجئ فلسطيني واحد إلى الأراضي التي تبقى تحت سيادتها. وتريد الاحتفاظ بسيطرتها على الجو والبحر، أي أن الدولة الفلسطينية التي توافق عليها إسرائيل مجزأة مقسمة بدون القدس وبدون سيادة، وقضية اللاجئين خارج إطار البحث، أو بدون علاقة بإسرائيل. وحتى المياه الفلسطينية تريد تقاسمها معنا بناء على حاجتها وليس بناء على الحق.

ولا يظهر أن الإدارة الأميركية في وارد ممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية التي باتت في نقاش وخلاف داخلي حول العلاقة مع واشنطن، حيث يرى البعض أن إدارة الرئيس باراك أوباما قد خانت إسرائيل باتفاقها مع إيران حول الملف النووي، بينما يرى آخرون أن الخلاف مع أميركا ينبغي أن يبقى في البيت ولا يظهر على الملأ، حرصاً على هذه العلاقة التي تدور دائماً في فلك المصالح الإسرائيلية، بمعنى أن المفاوضات الثنائية متعثرة، والولايات المتحدة لا يمكنها فعل شيء للمساعدة، ووساطتها ستنتهي غالباً بالفشل، ولهذا لا بد منذ الآن من البحث عن بدائل واقعية لهذه العملية غير المجدية.

ومن الطبيعي بعد تجربة المفاوضات التي تدور في حلقة مفرغة ولا تحل شيئاً، أن نبحث عن صيغة دولية بديلة تخرج العملية السياسية عن نطاق الثنائية مع إسرائيل ونطاق حصرية التدخل والوساطة في الطرف الأميركي، ولعل التوصل إلى حل للملف النووي الإيراني - إطار صيغة خمسة زائد واحد الدولية - يمثل نموذجاً يحتذى، وهو جيد لمعالجة قضايا وملفات كان يمكن أن تنتهي إلى حرب إقليمية كبيرة، وهي بلا شك صيغة مثلى لحل قضية الصراع الفلسطيني والعربي - الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية، فعدم التوصل إلى حل في الفترة المنظورة قد يقود إلى كارثة.

هناك تململ وسط الشباب الفلسطيني، وهناك بوادر فلتان أمني، هذا عدا عن الكوارث الناجمة عن الانقسام والحصار والمخاطر المحدقة بالوطن من لل صوب، وهذه الحال لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. ولا شك في أن تأثير ثورات العالم العربي ما تزال حاضرة في أذهان ووعي الأجيال الشابة، والإجراءات الاحتلالية اليومية من استيطان واعتقالات وانتهاكات متواصلة كلها عوامل تحمل بذور الانفجار الذي لا أحد يعلم متى يحدث وإلى أي مدى يمكن أن يتطور.

صحيح أن إسرائيل والولايات المتحدة سترفضان فكرة الاحتكام إلى أي جسم دولي، وسترفضان صيغة خمسة زائد واحد التي جلبت الحل المؤقت لملف إيران النووي، ومنعت تطورات سلبية ربما تؤثر على السلم والاستقرار الإقليميين والدوليين، ولكن يجب العمل على تهيئة المناخ إقليمياً ودولياً من أجل الإقرار بهذه الصيغة كبديل للوضع الراهن المأزوم. والترويج لهذه الفكرة منذ الآن ينبغي أن يتم على نطاق واسع وفي كل الساحات بدءاً بالساحة العربية، حيث نحتاج إلى موقف عربي موحد وداعم لفكرة التوجه نحو إطار دولي مناسب للحل بعد فشل الصيغ القائمة والمجربة منذ وقت بعيد، وأيضاً في الساحة الأوروبية في سياق تطوير موقف الاتحاد الأوروبي من العملية السياسية والذي بدأ بأخذ طابع عملي بعد الموقف من المستوطنات وبعد مشروع هورايزون 2020. كما يجب التركيز على الساحة الإسرائيلية لخلق ضغط من أسفل إلى أعلى على الحكومة، وأيضاً في ضوء ما يمكن أن يحدث لإسرائيل دولياً في حال بقيت السياسة الإسرائيلية على حالها وبقي الاحتلال قائماً، والمهم أن تكون هناك خطة فلسطينية لتجنيد المجتمع الدولي والعالم العربي وكل العقلاء في إسرائيل من أجل تجنب الكارثة المقبلة، ومن أجل السلام العادل والشامل الذي يحمي حقوق الجميع، وفي المقدمة منها حقوق الشعب الفلسطيني.

 

 

 

المصدر: 
الأيام