الفلسطينيون يهاجرون إلى الجنة

بقلم: 

حديث طويل وآمال كبيرة حول مستقبل مخيم اليرموك والحلول الممكنة، ولكن بتقديري، المطلوب من السيد محمود عباس أن يرسل الينا شاهدة قبر، مكتوبا عليها، هنا كان يرقد مخيم اليرموك، ونحن سنهتم ببقية التفاصيل، ونعدكم ان نحسن الوداع والدفن، وحتى الصلاة وعلى الطريقة التي تصلي فيها غزة على الجنائز.

كان مبرر وجود منظمة التحرير الفلسطينية هو الحفاظ على الفلسطينيين بعد الشتات القاسي الذي وصلوا اليه، ومع انطلاق العمل الفلسطيني المسلح غرقنا في التفاصيل العربية، وتم توظيف العمل المسلح بما يعيق انطلاقنا نحو الهدف الأساس، فلسطين، ولم ندرك ان كل الحروب على طريقنا كانت تهدف الى ان نصبح جزءا من مشكلة العرب، ولم نحقق ما كنا نصبو اليه من ان يكون طريقنا الى فلسطين نقطة وحدة الامة الى هدفها، بشعوبها وقادتها، وتحت هذا كنا نظن أن المخيمات هي قاعدة الانطلاق والعودة الى فلسطين، لكن العرب نجحوا بتحويل مخيماتنا الى ‘غيتو’، وتم تحويل الفلسطيني في أكثر من بلد عربي الى يهودي العرب، وليس اخرهم من يقول ان الفلسطيني المدني المسالم هو قليل الوفاء وعليه حمل السلاح والاشتراك في حروب داخلية، كتعويض عن سنوات اقامته في مخيمات كان البؤس فيها العلامة الفاصلة، فطوال عمر النكبة كان على الفلسطيني ان يقيم في بيوت غير آدمية ويحمل وثيقة لاجئ، تعني بتفاصيلها أنه غير مرغوب فيه، فلم يكف حصار الفلسطينيين في غيتو اسمه مخيم، ولم يكف فرض هوية لاجئ تخنقه في حركته، ورضينا بهذا، ولكن ان نكون شركاء في دم الصراعات الداخلية فهذا ليس ما نريد.

لم ننجح طوال السنوات الماضية بالحفاظ على العنصر الفلسطيني في كل من الاردن والكويت ولبنان وسوريا والعراق وليبيا، وظل الزج بالفلسطيني في اتون الصراعات السياسية المسألة الابرز، لأن الفلسطيني في عقل الانظمة العربية هو حالة العبء الموجودة في المنطقة، وأن توظيفه في الازمات الداخلـــية هو أفضل المتاح، لأن ذلك يقلل من تعاطف الشعوب العربية معه، وبالتالي قضيته، التي ستخرج تباعا من كونها قضية الامة، الى قضية محسوبة على الفلسطينيين فحسب.

قادتنا العرب هم أذكياء وهم يعرفون اختيار اللحظة التي تصبح فيها القضية الفلسطينية مبرر وجودهم في السلطة، وهم أيضا يدركون اللحظة التي يعزلون عن الفلسطيني دوره كضحية. أما قادتنا الفلسطينيين، فحتى لا نلومهم دوماً فهم أغلبهم ضحايا المرور على حواجز الأنظمة، التي تحسن تعرية السياسة وتوابعها، فنحن لم نكن ندرك أن مشكلتنا مع اسرائيل بأسلاك شائكة عربية، وأن مشكلة الشعوب العربية مع حكامها هي اكبر من مشكلتنا مع اسرائيل، وبفهمنا لهذه المعادلة علينا أن نغير طريقة واسلوب عيشنا، وعلينا أن ندرك أن المطلوب الان وبعد سنوات طويلة وعشرات الالاف من الضحايا علينا ان المطلوب في الشتات هو الحفاظ على العنصر الفلسطيني فحسب، وليس توظيف هذا الشتات لأهداف سياسية هنا وهناك، فنحن قبل سنوات قليلة كنا نعتبر ان هجرة الفلسطينيين من المخيمات الى خارجها فقط، هي مسألة مقلقة. أما فكرة الهجرة الفلسطينية نحو الغرب، فظلت في عقلنا الباطن، بمثابة خيانة عظمى للقضية التي تستوجب منا أن تبقى المخيمات أماكن انطلاق نحو الوطن، الذي ظل العقل السياسي الفلسطيني الحاكم، يتخيل أنها مسألة وقت فقط، قبيل انطلاق جيوش الامة الى فلسطين، ولأن المخيم هو الشاهد على النكبة، فالمخيمات الفلسطينية يجب أن تبقى موجودة.

أظن، ونحن على مفترق طرق في معاناة جديدة، علينا أن نعيد حساباتنا، فالحركة الصهيونية حافظت على العنصر اليهودي أولاً، وهو سر نجاحها في هزيمتنا، وأما نحن، فالحفاظ على العنصر الفلسطيني ظل اخر همنا، أمام دبلوماسية اللحظة، التي حولت غالبية الشتات الفلسطيني الى ضحايا ينتظرون في معظم الدول الحصول فقط على لقمة خبز غير متاحة اصلا.
لا نريد القبول بدعوة السيد اسماعيل هنية بعودة الفلسطينيين من الشتات وحشرهم في نفق غزة، ولا نريد نقل مخيم اليرموك الى غزة، فالتوظيف السياسي للمعاناة لا يخدم غزة ولا حماس ولا كل الموجود حاليا، فلدى غزة عائلات الشهداء وجوع الفقراء، وليس صحيحا ان نقاسمهم همومنا، ونشاطرهم حياتهم ووظائفهم وما سيتبعه مستقبلا من عقدة التمييز والوجع الاجتماعي الذي نحن بغنى عن الخوض فيه.

الحفاظ على فلسطينيي الشتات اليوم يعني طي صفحة المخيمات الفلسطينية واغلاقها وهجرة الفلسطينيين أو بقاءهم على أي قاعدة انسانية، بعيدا عن المزايدات التي تتحدث عن حق العودة الذي لم يمنح الفلسطينيين فقط رغيف خبز في المخيمات المحاصرة، والمطلوب فعلا ان تتحول سفارات منظمة التحرير الى مؤسسات تسعى الى تأمين استمرار الحياة للفلسطيني فقط، في أي مكان في الكون ولو كان الهجرة الى الغرب، على الاقل سينتج عن الهجرة اكثر من ادوارد سعيد، واكثر من عالم، وكل فلسطيني في شتاته وطن بكامل الصفات الانسانية.
اذا هاجرنا ستكون أكبر مشاكلنا في الغرب هي قيام افراد متطرفين باستهداف افراد فقط، واذا بقينا فاصـــــغر مشاكلنا مع علية القوم على اختلافهم، فالجنة بمنطق العصر للفلسطيني هي الهجرة وليس تلك المخيمات التي دمرت او التي تنتظر ذات القدر في غير دولة وذات زمن.

المصدر: 
القدس العربي