الحب في زمن... «حماس»

بقلم: 

الفتاة الوحيدة التي عرفها عدنان عن قرب في حياته هي شقيقة صديقه. التقت عيونهما على باب البيت ذات زيارة، ووقعا في الحب. حصل على رقم هاتفها، واتصل بها، وأخذا يتواعدان... لكن ليس في مقهى أو مطعم أو على شاطئ البحر، كما يحدث في مثل هذه الحالات، وانما على موقع «فايسبوك».

عدنان، وهو اسم مستعار، شاب في الخامسة والعشرين من العمر من مدينة غزة ينتمي الى إحدى الحركات الاسلامية. درس في الجامعة الإسلامية التي يحظر فيها الاختلاط، وهو مبتهج بصديقته التي يخطط للزواج منها. والى أن يتمكنا من الزواج، فإنهما يتواعدان في العالم الافتراضي (فايسبوك) لأنهما لا يستطيعان القيام بذلك في العالم الواقعي بسبب القيود الاجتماعية والرسمية.

يقول عدنان: «لا يمكنني أن التقيها أبداً، هذا عيب، الناس هنا تعرف بعضها بعضاً، ولا أحد يحتمل ان يرى ابنته او اخته تجلس مع شاب غريب في مقهى». يتحدث عدنان مع صديقته عبر الهاتف، ويراها من بعيد، لكنه لا يستطيع أن يقف معها ليحادثها. ويقول مبتسماً: «عندما تخرج من البيت، تتصل بي لتبلغني أن بإمكاني أن أقف في الشارع العام كي أراها. كل ما نفعله هو أننا نتبادل النظرات. هذا كل ما نستطيع أن نفعله في غزة».

وعززت سيطرة «حماس» على قطاع غزة التقاليد المحافظة في القطاع الذي شهد انفتاحاً اجتماعياً لافتاً بعد إقامة السلطة الفلسطينية العام 1994، إذ فرضت قيوداً على اللقاءات الثنائية بين الجنسيْن في الأماكن العامة عقب توليها السلطة العام 2007. وتُظهر شهادات جمعتها مؤسسات حقوق الإنسان في غزة أن الشرطة أوقفت رجالاً ونساء على شاطئ البحر وفي السيارات، واستجوبتهم عن علاقتهم، ونقلت كل من ثبت انه لا يمت بصلة عائلية مباشرة للآخر، الى مخفر الشرطة، ووقعته على تعهد بعدم فعل ذلك ثانية.

ويتواصل بعض العشاق مع بعضهم بعضاً عبر الهاتف الخليوي، لكن الغالبية العظمى من شباب غزة تفضل المواعدة عبر «فايسبوك» لأنه حسب احد المستخدمين «غير مكلف، ويمكن التحادث عبره لساعات من دون أن يسمع أحد صوتك»، مضيفاً: «الناس هنا فقراء لا يستطيعون دفع فواتير الهاتف النقال الباهظة، لذلك فإن فايسبوك يوفر الحل».

ويبدي الكثير من الفتيات في قطاع غزة تحفظاً إزاء التعرف على شبان خشية العواقب. وقالت موظفة في الثالثة والعشرين من العمر إنها ترفض المواعدة حتى على «فايسبوك» لأنه «بعد الزواج، يبدأ الشاب باتهام زوجته بأنها واعدت آخرين، ويقول لها: طالما أنك قبلت مواعدتي على فايسبوك من دون معرفة مسبقة، فما الذي يضمن لي بأنك لم تفعلي الشيء ذاته مع آخرين؟». وأضافت: «أعرف زيجات انهارت لهذا السبب».

وقالت شابة في السادسة والعشرين: «الغالبية العظمى من الشباب في غزة تبحث عن مواعدة عبر الهاتف وفايسبوك، لكن عندما يتزوجون، فإنهم يتركون الأمر لعائلاتهم كي تختار لهم». وأضافت: «لدي تجربة، وصديقاتي لديهن تجربة، أنا كنت مرتبطة، كنا مثل روميو وجولييت، وفجأة وجدته يتزوج من فتاة أخرى، وبرر ذلك بأن عائلته فرضت عليه. غزة بلد محافظ، والشاب يحب مصادقة الفتيات والمواعدة، لكن عند الزواج، يذهب الى الطريقة التقليدية».

رغم ذلك، يظل «فايسبوك» الحديقة المفتوحة من دون قيود لغالبية العشاق في غزة الذين تغلق في وجوههم الأماكن العامة. في الوقت نفسه، يستقبل بعض المقاهي والمطاعم في مدينة غزة الأصدقاء من الجنسيْن، لكن الغالبية العظمى منهم لا تستطيع ذلك بسبب القيود الاجتماعية او بسبب الفقر.

الزواج المبكر شائع على نطاق واسع في قطاع غزة، فقبل أشهر معدودة، تزوج صبي وفتاة في الثالثة عشرة من العمر. وتظهر إحصاءات الجهاز المركزي أن 36 في المئة من النساء في غزة تزوجن قبل بلوغهن الثامنة عشرة، و5 في المئة منهن دون سن الخامسة عشرة، وهو ما يعزوه الأخصائيون الاجتماعيون الى القيم المجتمعية، والأوضاع الاقتصادية، وسيادة الثقافة الذكورية في المجتمع.

 

 

المصدر: 
الحياة