أوباما ـ نتنياهو خلافات شخصية أم تصادم سياسات؟

بقلم: 

 

يبدو أن باروميتر العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ما يكاد يصعد حتى يعود ليهبط من جديد؛ وكل هذا على خلفية المباحثات الأميركية الإيرانية، وخشية الإسرائيليين من التوصل إلى اتفاقات تتيح وقف العقوبات المفروضة على طهران بعد التوصل إلى صيغ معينة في شأن الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يخضعه الإسرائيليون دائماً لعقدة الأمن الإسرائيلي وعقد التفوق والعظمة في هذه المنطقة من العالم. وقد تفاقم مُناخ العلاقات بعد توقيع الاتفاق بين إيران والدول الست.

ويُواصل الإعلام الإسرائيلي، حملته السافرة ضدّ الولايات المتحدّة الأميركية، وذلك ضمن خطة حكومية تستهدف تأليب الرأي العام ضدّ واشنطن. وبحسب مواقع الإنترنت الإسرائيلية طوال الفترة الماضية، فإنّ أميركا فضلت اتفاقًا سيئًا على حرب جيدة ضد إيران، كما لفتت "يديعوت أحرونوت" في عنوانها الرئيسيّ إلى أنّ الخلاف بات علنيًا بين واشنطن وتل أبيب، ونقلت عن وزير الأمن، موشيه يعلون، قوله إنّ الاتفاق هو خطأ تاريخيّ، بسبب التنازلات التي قدّمتها دول الغرب لطهران.
على الصعيد ذاته، وفي كشف جديد لخلفية توتر العلاقات الأميركية الإسرائيلية وتدهور العلاقات الشخصية بين أوباما ونتانياهو، أصدر كاتبان صحافيان في الولايات المتحدة الأميركية كتابًا جديدًا جاء تحت عنوان "قوانين اللعبة 2012"، تناول الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2012، ونقل الكاتبان عن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قوله في العام الماضي إننّا جميعًا نعرف بأن رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتانياهو بمثابة شوكة في المؤخرة.
واقتبست صحيفة "هآرتس"، هذه الأقوال من الكتاب الذي صدر خلال الأسابيع الماضية في أميركا، من تأليف الكاتب جون هيلمان من صحيفة (نيويورك تايمز) ومارك هالفرين من مجلة "التايم"، والذي جاء فيه أيضًا أنّ الرئيس اوباما قال ذلك في الـ30 من أيلول (سبتمبر) من العام 2012، خلال لقاء مع الطاقم المكلف بالإشراف على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وأوضح المراسل أنّ نتانياهو تدخّل في الشؤون الداخلية الأميركية بوقوفه إلى جانب المرشح الجمهوري ميت رومني ضد الرئيس اوباما، وأنّ هذا التدخل ازداد اتساعًا مع تسارع وتيرة الصراع على الرئاسة الأميركية، مما دفع الرئيس الأميركي ليعلن رفضه استقبال نتانياهو الذي وصفه بأنّه ممل.
ولفت مراسل الصحيفة في واشنطن، حيمي شاليف، الذي استعرض بعض جوانب الكتاب الجديد، إلى أنّ نتنياهو ذُكر في الكتاب من قبل المؤلفين مرّة أخرى. حيث أكّدا على أنّ نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، قام بتوبيخ نتانياهو بشكلٍ قاسٍ جدًا، مشيرين إلى أنّهما حصلا على الانطباع بأنّ الرئيس أوباما يكنّ الاحترام والتقدير الكبيرين لنائبه، خصوصًا وأنّ بايدن، دافع وما زال يُدافع في كلّ مناسبة عن الرئيس أوباما لإخلاصه الشديد له ولثقته الكاملة فيه.
كما أوضحا أيضًا أنّ التوبيخ القاسي الذي كان من نصيب نتنياهو، تلقاه أيضًا عضو الكونغرس الأميركي أنطوني وينر، الذي استقال بعد انكشاف الرسائل النصيّة القاسية التي كان يُرسلها من أجل مهاجمة الرئيس أوباما، ونقل المراسل الإسرائيليّ عن المؤلفين قولهما في الكتاب إنّ ما حصل مع وينر حصل مع نتنياهو، لافتين إلى أنّ أوباما كان فرحًا جدًا من تصرفات نائبه في الحالتين المذكورتين، على حدّ قولهما. يُشار إلى أنّ ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ لم يُصدر تعقيبًا على ما جاء في الكتاب.
وفي كتاب حمل عنوان (السلام المفقود) للدبلوماسي الأميركي المعروف دنيس روس الذي شغل منصب "مبعوث واشنطن لتحقيق السلام في الشرق الأوسط" إبان عهد الرئيس بيل كلينتون، استعراض، لخفايا الصراع حول سلام الشرق الأوسط، ومواقف كل الإطراف المعنية بعملية السلام، وفي طياته يخصص مساحة واسعة للحديث عن بنيامين نتنياهو، تضمنت ألفاظًا نابية وقاسية بحقه، كونه شخصية سياسية يمينية متطرفة معادية للسلام، ويصفه بأنّه إنسان متعجرف ومتكبر ومغرور، لا يمكن للإنسان العادي أن يتحمله، لا سيما حينما يطرح نفسه بأنه السياسي الوحيد في إسرائيل الأكثر ملاءمة لمعالجة العلاقات مع العرب والتفاهم معهم، ليس عن طريق الدبلوماسية والحوار، ولكن من زاوية الترهيب بالقوة والحروب؛ خصوصاً حملاته العسكرية ضد الفلسطينيين في الضفة واستباحته للمدن والمخيمات الفلسطينية. 
في هذا الكتاب يذكر روس، أنّه بعد اللقاء الأول بين نتنياهو خلال الفترة الأولى من رئاسته للحكومة الإسرائيلية، وبين الرئيس كلينتون، قال هذا الأخير لمساعديه إنّ نتنياهو يعتقد بأنّ إسرائيل هي الدولة الأعظم في العالم، وعلى الولايات المتحدة أنْ تتصرف وفق الاملاءات الإسرائيلية. موضحاً في ذلك الوقت أنّ أفكار نتنياهو مبنية على معتقدات سياسية، أيْ أنّه يؤمن بأنّ إسرائيل هي الدولة الأعظم في العالم.
الاستنتاجات من مثل هذا الكلام أو ذاك كثيرة، لكن السياسات/سياسات الدول قد تخالف وتتخالف حساباتها ومعاييرها كثيراً، لا سيما حين نكون في إزاء علاقات حميمية بين راع وحام لدولة وظيفية، تقوم بأدوارها ليس بعيداً عن رعاية وإشراف الرعاة، إلا إذا صار لضعف الولايات المتحدة كامبراطورية تداعيات ليس أقلها افتراق في السياسات الأميركية الإسرائيلية، التكتيكية منها عوضاً عن الاستراتيجية، وما يجري اليوم في صفحة العلاقات البينية، شخصية أو عامة، يختزل تصادماً في السياسة، ليس بالضرورة أن يكون لها تداعيات مباشرة، نظراً لقوة الارتباطات النفعية والوظيفية والكولونيالية القائمة بينهما.
وعلى الرغم من ذلك يمكن القول بارتياح إن العديد من السياسات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة صارت عبئاً وعبئاً ثقيلاً على الإدارة الأميركية التي تحاول قدر إمكاناتها الابتعاد عن سياسات الحرب أو التهديد والتلويح بها، والاتجاه عوضاً عن ذلك إلى انتهاج سياسات دبلوماسية تفاوضية وصولاً إلى التسويات المقبولة. ولكن ماذا بالنسبة للشأن الفلسطيني؟ يبدو أن هذا من طينة أخرى لا تدخل في حسابات "المطيّنين" عبر العالم!

 

 

 

المصدر: 
المستقبل