ذريعة القاعدة في اغتيالات الضفة

بقلم: 

 

لم يتغير شيء على الخريطة السياسية الفلسطينية منذ التاسع عشر من تموز/يوليو الماضي، الموعد الذي أعلن فيه وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، التوصل إلى اتفاق لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، مفاجئاً بذلك قيادات الفصائل الفلسطينية، ومنظمة التحرير، التي رفضت لجنتها المركزية في حينها شروط كيري، قبل أن يفاجئ الشعب الفلسطيني برمّته

سياسة السلطة المتمثلة في منح الفرص والاتكال على وعود المجتمع الدولي، لا تزال قائمة، تقابلها سياسة المماطلة والمراوغة الإسرائيلية، التي يبدو أنها تسعى فعلاً إلى تحويل حياة الشعب الفلسطيني إلى مفاوضات، وإدخال قضيته في حلقة مفرغة تضيق يوماً بعد يوم

لم تتوقف عطاءات البناء الاستيطاني، ولا الاعتقالات التعسفية، ولا التنسيق الأمني، وكذلك، لم تتوقف قوافل الشهداء. الثلاثاء اقتحمت قوات خاصة من وحدة "يمامفي جيش الاحتلال بلدة يطا جنوبي الخليل، واغتالت ثلاثة شبان من المدينة؛ محمود النجار، وأحمد فنشة، ومحمد نيروخ، ليرتفع بذلك عدد الشهداء منذ بدء المفاوضات إلى 23 شهيداً.
 

البيان الرسمي لجهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباكّ"، ادّعى أن المجموعة المستهدفة كانت تخطط "لخطف جنود إسرائيليين، وتنفيذ عمليات إرهابية ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
 

في المقابل، لم يصدر تصريح رسمي من السلطة الفلسطينية حول الحادثة باستثناء بيان مقتضب وموارب تداولته وكالات الأنباء  نقلاً عن وزارة الإعلام، اعتبر ما صدر عن "الشاباكمجرد خلط للأوراق، و"محاولة مريضة لإشعال فتنة داخلية".

الرسالة التي يحاول بيان وزارة الإعلام إيصالها إلى الجمهور المحلي تبدو واضحة في ظاهرها؛ تحاول السلطة غسل يديها من دماء الشهداء، وتعلن عدم تأييدها الاحتلال في عمليات الاغتيال، إلا أن صدقيّة تلك الرسالة تصبح على المحك بالنظر إلى تصريحات زوجة الشهيد محمد نيروخ، التي قالت إن زوجها كان ملاحقاً من قبل السلطة والاحتلال، مضيفة أن أجهزة أمن السلطة أرسلت له طلب استدعاء قبل ثلاثة أسابيع من وفاته.

الأمر ذاته يؤكده لـ"المدن"، ياسر النجار، شقيق الشهيد محمود النجار. يقول: "قبل ثلاثة أسابيع جاء رجال المخابرات الفلسطينية إلى المنزل، وأخبرونا أنهم يريدون محمود لاستفسار بسيط.  تتطابق الروايتان؛ قبل ثلاثة أسابيع بالضبط بحثت السلطة الفلسطينية عن الشهيدين، ما يعني أن هذا التزامن في التوقيت لم يكن محض مصادفة، وأن السؤال لم يكن بغرض الاستفسار فحسب.
 

ينفي ياسر النجار كذلك رواية "الشاباكالإسرائيلي عن حدوث اشتباك مسلح أثناء عملية الاغتيال، يقول: "توجهنا إلى مكان الحادث بعد وقت قصير، ولم نجد في السيارة التي كان يستقلها الشهداء أي أسلحة"، يضيف: "أخي كان ملتزماً، لكنه لم يكن منتمياً لأي تنظيم جهادي كما ادّعى الاحتلال، لم يعد إلى المنزل بعد أن علم بسؤال الأمن الفلسطيني عنه، وكان يتواصل معنا هاتفيا بشكل اعتيادي". يحمّل أخيراً مسؤولية اغتياله إلى السلطة الفلسطينية وإسرائيلأما والد الشهيد، نفى ما ورد في بيان الشاباك قائلاً: "ابني لم يكن مرتبطاً بأي تنظيم جهادي سلفي". 

هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل عن وجود جماعات سلفية في الضفة. لم تترك الصحف العبريّة الخبر يمرّ بسلام، وأخذت تعالج بشكل موسع ما أسمته "تنامي الفكر السلفي في الضفة".
 

غرابة الخبر تكمن في كونه جاء مفاجئاً وبلا مقدمات، فلا تاريخ يذكر "للسلفية الجهاديةفي الضفة الغربية، ولم يسبق أن نفذت عملية واحدة ضد الاحتلال في الضفة، حتى عندما كان لها نشاط مؤقت في غزة واحتوته حركة حماس وقتها
 

في الضفة الغربية ثمة تواجد مؤطر ومحدود للجماعات السلفية، يتمثل في حزبين رئيسيين: حزب النور الفلسطيني، الذي لا يُسمع له أي صوت يذكر في معارضة السلطة القائمة، بل سبق وأن أيّد سعيها للحصول على مقعد في الأمم المتحدة، وهناك أيضاً حزب التحرير، الذي لم تسجل له أي عملية عسكرية في تاريخه، ولا يزال يعتبر أن إقامة الخلافة يُعدّ أولوية على حمل السلاح، حتى وإن كان ضد إسرائيل.
 

هذا الملف المستجد على الساحة الفلسطينية ربما يعيد الانتباه إلى خبر نُشر في الصحافة العبرية قبل أيام قليلة يتعلق بالموضوع ذاته، وهو أن السلطات الإسرائيلية تمتلك معلومات عن انتماء سامر البرق، المعتقل منذ عام 2010، إلى تنظيم القاعدة، وكان مسؤول ملف الأسلحة البيولوجية فيها، رغم أنه لم يعترف حتى الآن بهذه التهم
 

المفارقة أن هذا الأمر كان ضمن علم السلطات الإسرائيلية، لكنها لم تسمح بنشره إلا قبل أسبوع من الآن، أي في الوقت الذي كانت فيه وحدات "يمامةالتابعة لقوات الاحتلال تبيّت خطتها للإجهاز على مجموعة شهداء يطا، ما يثير التساؤلات حول نوايا الاحتلال من فتح ملف القاعدة المبهم في هذا التوقيت بالذات.

لعل الحديث عن وجود تنظيمات سلفية ومتشددة في الضفة في هذه الفترة تحديداً، ما هو إلا محاولة إسرائيلية للقول إن ثمة ما يتهدد أمنها هناك، وبالتالي يصبح وجودها العسكري في الضفة ضرورة أمنية، لا سيما أنها باتت تعاني من عزلة دولية بسبب استمرار انتهاكاتها في الضفة.

لا أحد خارج حيّز مبنى المقاطعة في رام الله يعلم ما يحاك لقضيّته داخل أروقة المفاوضاتلا خبر عن سير العملية التفاوضية، سوى أن طاقم المفاوضات استقال، وهي المرة السابعة التي يقدم فيها استقالته، لكن لم تتوقف العملية التفاوضية، من الذي يجلس الآن ممثلاً للشعب الفلسطيني أمام تسيبي ليفني، وإسحاق مولخو؟

لا أحد يعلم، غير أن الأكيد هو أن السلطة تقف وحيدة في وجه إجماع شعبي وفصائلي رافض لهذا التوجه، لكن بالعودة إلى بيان الشاباك الأخير الذي قال إن مجموعة الشهداء كانت تخطط لتنفيذ عمليات ضد السلطة وإسرائيل، يمكن القول، ربما، إن السلطة لم تعد وحيدة في المواجهة

 

 

 

المصدر: 
المدن