الفلسطينيون: لسنا مرتزقة

بقلم: 

رغم كثرة المواقف الفلسطينية المؤكدة على حياد مخيماتها وفصائلها في لبنان ورفضها أي عمل يؤدي إلى زعزعة إستقرار "البلد المضيف"، إلا أن الأخبار الواردة من مخيم عين الحلوة تارة، وبرج البراجنة تارة أخرى، تقلق القيادات الفلسطينية واللبنانية معاً، في مرحلة الصراع المفتوح على كل الإحتمالات.

بين الفصائل في لبنان إجماع كبير، إستثنائي. رئيس الوزراء الفلسطيني، رامي الحمدالله، حط في بيروت. زيارة مقررة مسبقاً تلبية لدعوة الإسكوا لإلقاء كلمة فلسطين في مناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن الحيز الأكبر منها خُصّص للقاء الرؤساء الثلاثة، اضافة الى الرئيس المكلف تمام سلام، وللتأكيد على الثوابت الفلسطينية في لبنان.

تورط الإنتحاري عدنان موسى المحمد، في انفجار السفارة الإيرانية الأخير، أعاد تسليط الأضواء على الفلسطينيين في لبنان، خصوصاً بعد انتشار الأخبار عن تواجد لـ"سرايا زياد الجراح"، وكتائب "عبدالله العزامفي المخيم، وهروب الفنان التائب فضل شاكر اليه، إضافة إلى ما تردد سابقاً عن أن المخيمات تشكل بيئة حاضنة للإرهابيين، وما رافق ذلك منذ الاتهام بتفخيخ سيارات في مخيم برج البراجنة، وخروج صواريخ العام 2013 التي صوبت نحو الضاحية من المخيم نفسه.

الضوء المسلط على المخيمات لم يحتل سلم أولويات الحمدالله. مصادر السفارة تضع الزيارة في إطارها الضيق، رغم أن الزائر الفلسطيني التقى "على هامش الزيارة"، بحسب المصادر، الرؤساء ميشال سليمان ونجيب ميقاتي وتمام سلام، على أن يلتقي لاحقا الرئيس نبيه بري. أجواء لقاءات الحمدالله ركزت على ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية والمصالحة الفلسطينية الفلسطينية والأوضاع العامة في المنطقة. كما نال ملف تحسين أوضاع المخيمات حيزاً مهماً من النقاشات. مصادر اللقاءات تشير الى أن "الحمدالله ليس صانع قرار في شخصه، بل هو أقرب الى كونه شخصية تكنوقراط، لذلك كرر بإختصار المواقف الفلسطينية السابقة، لجهة نأي المخيمات بنفسها عن الخلافات اللبنانية – اللبنانية، ورفضها لأي تصرفات فردية يقوم بها أي فلسطيني في لبنان"، في إشارة إلى تورط عدنان موسى المحمد في تفجير السفارة الإيرانية مؤخراً.

حركة "حماسسبقت الحمدالله، في جولات لها في صيدا على قيادات المدينة، شملت أيضاً"حزب الله"، بما أنها تقاطع الحمدالله لأنه لم ينل ثقة المجلس التشريعي. وجولة "حماسلا تُفسد ود التفاهم والتنسيق الفلسطيني – الفلسطيني، لبنانياً. جولة أتت، كما يقول ممثل "حماسفي لبنان علي بركة، من أجل "الحفاظ على الأمن والإستقرار"، لكنه يستدرك بالإشارة الى "الحملة التحريضية من بعض الإعلام اللبناني والذي يحاول زج الفلسطينيين في الأزمات الداخلية والخلافات والصراع والفتنة المذهبية، لكننا نؤكد حرصنا على أمن لبنان واستقراره كما على أمن المخيمات واستقرارها ونرفض أن تستخدم كقاعدة انطلاق لضرب السلم الأهلي اللبناني، وما يهمنا هو الفعل". ويضيف: "الموقف الفلسطيني موحّد ويرفض التورط في الشأن اللبناني الداخلي، وأن يتحول الفلسطيني الى مرتزق عند هذا الفريق أو ذاك، كما اننا حريصون على أمن البلد ونعتبر انفسنا عامل إستقرار".

بدوره، القائد العام لكتائب الشهداء الأقصى اللواء منير المقدح، يكرر، مواقف بركة لجهة رفضه محاولات بعض الإعلام تضخيم وضع المخيمات، مؤكداً أن "المجموعات المرتبطة بالقاعدة ليست موجودة في المخيم لكن هناك بقايا لجند الشام في حي الطوارئ"، مشيراً أيضاً الى "الموقف الفلسطيني الموحد بعدم استدراج المخيمات الى الداخل اللبناني، ما يشكل حصانة لأمن المخيم والجوار وبالتنسيق مع المؤسسات الأمنية اللبنانية". المقدح يذكّر أيضاً بأن "تجربة البارد لا تزال ماثلة أمامنا، خصوصاً أن ظاهرة فتح الإسلام لم تجد حاضناً لها في مخيماتنا".

لبنانياً، المعلومات تصب في الإطار نفسه، مصادر أمنية تفيدبأن "الوضع في المخيمات، وتحديداً عين الحلوة، لا يدعو الى القلق، والاشكالات الفردية تُعالج بسرعة، والقيادات الفلسطينية والفصائل المختلفة أكدت مؤخراً أنها لن تسمح بانجرار المخيم الى دّوامة العنف". وتعتبر أن "المخيّم لا يتحمّل أي خضّة أمنية واسعة النطاق، وأن نفوذ السلطة الفلسطينية في المخيّم، يساهم في عدم اهتزاز الاستقرار النسبي، ما يسمح بمواصلة الخطة الأمنية في صيدا". 

لا يعني ما تقدم، والمواقف الفلسطنية النافية كلياً لوجود أي من التنظيمات المتشددة في المخيمات، أنه لا حالات فردية أو جماعية كما في كل المناطق اللبنانية. الأكيد أن الفلسطينيين قرروا فعلاً، منذ أمد، الإنسحاب من أي اطار أمني أو سياسي في لبنان. عودة إلى العام 1992 تثبت أن ما يُحكى اليوم، قيل في السابق. صُوّرت المخيمات على أنها بؤر ارهاب وتكفير وإستعُملت عند الحاجة، وبدأت تبرز في تجربة مخيم نهر البارد، والتي لم تخضع لقراءة لبنانية كافية، في تفاصيلها، وفي ما سبقها وتلاها.

 قبل وقوع التفجيرات الأخيرة توقع البعض التصويب على المخيمات، لكن الثابت أن المعالجات غائبة أو ممنوعة. نزع السلاح خارج المخيمات ما زال مجمّداً. ولا مبادرة في الأفق لمعالجة نظيره داخلها. النتيجة الحتمية الوحيدة أن غياب مشروع الدولة، لا سيما فشلها في بسط سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة، ومن ضمنها المخيمات، هو ما يُبقي الأخيرة عرضة للإهتزاز، ويبقى معه خوف البعض من اللعب بأمن المخيمات "المخترقة"، وتالياً أمن لبنان.. قائماً بقوة.

 

المصدر: 
المدن