إسرائيل تتشدّد لرفع سقف "ضماناتها"

بقلم: 

احد ابرز المبررات التي قدمت دفاعا عن الاتفاق الغربي مع ايران حول ملفها النووي هو وجوب اعطاء دفع للتيار الجديد في طهران الذي تمثل في انتخاب حسن روحاني الذي اتى بفريق منفتح يشكل وزير الخارجية محمد جواد ظريف احد اهم اركانه على رغم اقرار الغرب بأن القرار الايراني كان ولا يزال في يد مرشد الجمهورية آية الله خامنئي. فالمقاربة التي اضطرت ايران الى اعتمادها تنطوي على مراجعة ضمنية وتغيير جوهري يحمل في طياته اقرارا بان الاسلوب السابق الذي اعتمد لم يأت بنتائج مجدية. ومع ان الاسباب تعزى الى العقوبات الاقتصادية التي انهكت الوضع الايراني فان مطلعين وزوارا لايران يقولون ان الاسباب تكمن ايضا في التغييرات الداخلية التي اضطرت القيادة الايرانية الى الالتفاف عليها واستيعابها بعد الثورة الخضراء احتجاجا على التزوير في ايصال احمدي نجاد العام 2009 وفي ظل ثورات عربية أكانت ربيعا أم سواه والتي تخشى ايران ان تعود فتدق ابوابها مجددا.

 

ومع المخاوف من محاولات او احتمالات سعي ايران الى تسويات لمصلحتها في المنطقة تعزز نفوذها ودورها الاقليميين لقاء تنازلات في الملف النووي باعتبار ان الملف مفتوح على استكمال المفاوضات وصولا الى حل نهائي وشامل خلال سنة، فان مقاربة هذه المسألة تتجاهل جملة عوامل واعتبارات من بينها:

- ان الاتفاقات الدولية التي حصلت خلال الاشهر الاخيرة وخصوصا ما يتصل بنزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري واخيرا السعي الى ضبط السعي النووي الايراني غير السلمي هما من ابرز ما يمكن ان يصب في مصلحة اسرائيل باعتبارها معنية مباشرة بما كانت تعتبره تهديدين يطاولانها تحديدا اكثر من سواها. وعلى رغم الاحتجاجات التي ابداها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو للاتفاق الغربي مع ايران حول ملفها النووي، فان هذه المصادر لا تستبعد اهدافا او ضمانات قد تسعى اليها اسرائيل في المرحلة المقبلة في المفاوضات اللاحقة بعد ستة اشهر استكمالا للمفاوضات حول النووي من خلال رفع سقفها في هذه الضمانات. فاذا كانت تعتبر ان "حزب الله" يمثل تهديدا لها عبر الحدود وهو آخر تهديد من جملة التهديدات التي كانت تحددها، فان ذلك قد يكون هدفا تسعى الى تخفيف مخاطره عليها. ومع ان اركان الحزب وقياداته رفعوا الصوت اخيرا باستبعاد امكان "بيعه" من ايران في خضم الكلام على اتفاق مرتقب والمخاوف التي اثيرت على هامشه باعتبار ان انفتاح ايران على الغرب وانهاء عقود من العداء سيؤدي الى انعكاسات لا بد منها، فان ذلك بدا ردا استباقيا على مرحلة مفتوحة على احتمالات مختلفة.

- ان الدول الاقليمية التي غابت عن الاتفاقين الدوليين حول الكيميائي السوري والنووي الايراني باعتبار ان الاول كان ثمرة توافق اميركي روسي والاخر كان نتاج تفاوض ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا ولم يكن لهذه الدول مكان على طاولة التفاوض على نحو اثر سلبا عليها تسعى من خلال اعتراضها على كليهما، وان على نحو مختلف، من اجل ان يحسب لها حساب في كل الشأن الاقليمي الاخر وان تكون معنية لا بل مقررة فيها. وهذا يتصل الى حد كبير بمدى قدرتها على ايصال اعتراضها والتأثير من حيث موقعها وقدراتها على مجرى الامور لا ان تترك الدول الكبرى تصنع مع بعض الدول الحلول وتقررها للمنطقة من خلال اتفاقات جانبية او هامشية. وهذا جزء كبير من الاعتراض اكبر بكثير من الاعتراض على اي مضمون فضلا عن الخوف من اتفاقات هامشية تتجاوز موقع هذه الدول. اذ ان ايران تبدي ارتياحا وثقة الى وضعها وتتعاطى مع دول الخليج من موقع قوة لجهة رغبتها في "طمأنة" هذه الدول الى نياتها في حين لا يجوز الاستهانة بالاوضاع الصعبة التي تواجهها ايران في المنطقة. ففي العراق الذي بات يدور في فلكها من حيث المبدأ لا يمكن الاستكانة الى واقع ان منطقة الاكراد وحدها التي تحظى بالهدوء فيما كل مناطق العراق الاخرى تواجه ما تواجهه في اقرار ان السلطة التي تدعمها مع الاميركيين لا يمكنها احلال السلام وحدها من دون تنازلات كبيرة يتعين عليها القيام بها. في حين ان تورطها المباشر عديدا وعدة وخبرة في سوريا من اجل ابقاء بشار الاسد في موقعه مع ادراكها بانه يستحيل ان تتمكن من ابقائه او حسم الامور لمصلحته مهما طالت الحرب.

ولا تخفي هذه المصادر ان ايران تحسن لعب اوراقها جيدا سياسيا واعلاميا كما جرى في توظيف الاتفاق في الاطار الايجابي البحت فيما ان للاتفاق جانبين احدهما في مصلحة ايران والاخر في مصلحة الموقعين معها ومن يمثلون ايضا.

 

rosana.boumonsef@annahar.com.lb

 

 

 

 

المصدر: 
النهار