أزمة في العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية

بقلم: 

هناك أزمة تختمر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وهي على وشك التكشف. لأربع سنوات، تحمل الرئيس أوباما أخاديع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإهاناته. ومن بين إساءات نتنياهو: التحدث العلني لأوباما في العام 2009، عندما دعا الرئيس إسرائيل إلى وقف بناء مستوطناتها غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة، ودعم نتنياهو الصريح والمعلن للمرشح المنافس ميت رومني في الانتخابات الرئاسية للعام 2012. لكن نتنياهو يرتكب بإصداره سيلاً من الذم السياسي الهادف إلى إجهاض الصفقة الناجمة مع إيران، سوء تقدير كارثي، والذي يمكن أن يعزل إسرائيل ويضعف مستوى الدعم الذي تتلقاه في أوساط الجمهور الأميركي.

الحقيقة أن نتنياهو لا يستطيع وقف الصفقة القائمة مع إيران. وعلى الرغم من تهديده ووعيده، فإنه لا يستطيع قصف إيران أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل -التي تعتمد إلى حد كبير على النوايا الأميركية الطيبة، والمساعدات الأميركية، والأسلحة الأميركية- ليس لديها الكثير من الأصدقاء خارج الولايات المتحدة. وعلى الرغم من اعتناق نتنياهو الدافئ للرئيس الفرنسي الزائر هولند قبل أيام، وعلى الرغم من زيارة نتنياهو المزمعة إلى موسكو لبحث الأعمال والشؤون بصراحة مع فلاديمير بوتين، فإن إسرائيل صدقاً وحقاً ليس لها مكان آخر تلجأ إليه سوى واشنطن.

كل تلك السلطة المتبجحة للوبي الإسرائيلي، والتي حاول نتنياهو تحشيدها ضد أوباما هذا الشهر، لن تنقذ إسرائيل في حال اختارت الولايات المتحدة أن تتخلى عنها. وليس الأمر أن الولايات المتحدة ستتخلى عن إسرائيل في أي وقت قريب، بطبيعة الحال، لكنه يمكن حتى لنظرة عدم موافقة حادة من واشنطن أن تتسبب بمشكلات جدية في داخل إسرائيل، وفي السياسة الإسرائيلية. ولذلك، سيحسن نتنياهو إذا توخى الحذر.

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو مؤسسة فكرية مؤيدة لإسرائيل ومتحالفة مع لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "آيباك"، أصدرت في الأسبوع الماضي تحذيراً شديد اللهجة حول الشق الذي يتوسع في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وكتب روب ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، في نشرة "بوليتيكو" متحدثاً عن الشقاق المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران:

لم تقم إسرائيل، منذ ألقى مناحم بيغن خطة سلام رونالد ريغان للسلام في العام 1982 في سلة المهملات، بانتقاد مبادرة دبلوماسية أميركية رئيسية بكل هذه العلنية والصراحة. ففي كلمة مثيرة ألقاها في القدس يوم 10 تشرين الثاني،ذهب نتنياهو حتى إلى حد دعوة رؤساء يهود الولايات المتحدة إلى استخدام نفوذهم لوقف ما وصفه بأنه صفقة إيرانية "سيئة".

لم يسبق أبداً لوزير خارجية أميركي أن اقتيد إلى منصة في عاصمة عربية، ليعلن عن نواياه الحسنة المؤيدة لإسرائيل، ثم يحذر رئيس وزراء إسرائيل بالتحديد ويدعوه إلى الكف عن التدخل في الجهود الدبلوماسية الأميركية الجارية وأن يدخر نقده إلى بعد توقيع اتفاق. هذا هو ما فعله جون كيري في مؤتمر صحفي مدهش عقد يوم 11 تشرين الثاني في أبو ظبي، بينما يقف بجوار وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة.

نتنياهو، في خطبته الهستيرية في الأمم المتحدة في أيلول،وردود فعله شديدة العصبية على أداء الدبلوماسية مع إيران منذئذ، هي التي جلبت عليه هذا الموقف من كيري. وكما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز:

في كل مرة يطلب فيها السيد أوباما ووزير خارجيته، جون كيري، بعض الوقت والمساحة لاختبار ادعاءات القيادة الإيرانية الجديدة بأنها مستعدة لاتخاذ نهج جديد، وللتسوية، يستجيب السيد نتنياهو بأن الاتفاق المفترض هو "صفقة بالغة السوء،" "خطير بشكل مفرط"، "غلطة ذات أبعاد تاريخية"، أو كما قال في مقابلة مع محطة "سي إن إن" مؤخراً: "صفقة سيئة بشكل استثنائي". ولطالما أثار شبح شن ضربة إسرائيلية على منشآت إيران النووية حتى لو تم التوقيع على صفقة، وهو شيء تعتقد إدارة أوباما بأنه سيقوم بتفكيك التحالف العالمي الذي بنته من أجل الضغط على إيران.

بمثل هذا الخطاب الغرائبي المبالغ فيه، خلق نتنياهو أزمة لنفسه. ماذا يحدث عندما توقع إيران ومجموعة (5+1) اتفاقية، وهو ما يمكن أن يحدث في وقت قريب ربما يكون هذا الأسبوع؟ أين سيذهب نتنياهو حينئذ؟ إن جعجعته عن ضرب إيران بشكل أحادي الجانب ما هي إلا مجرد جعجعة. ولو حدث وأن قامت إسرائيل بمهاجمة إيران، فإما أن تدين الولايات المتحدة الاعتداء وتسمح بأن تعاني إسرائيل ازدراء العالم وحدها، أو أن الولايات المتحدة ستجد نفسها (وإسرائيل) معزولتين تماماً بينما يبرم بقية العالم صفقته الخاصة مع إيران، بما يسمح للعقوبات الاقتصادية بالانهيار.

لا يخطئن أحد: هناك على المحك أكثر من مجرد المحادثات مع إيران. إن كامل علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة هو على المحك أيضاً.

*مساهم في تحرير مجلة "ذا نيشن"، وصحفي استقصائي في كيب ماي، نيو جيرسي ونيويورك، مختص بالأمن القومي. وهو مؤلف كتاب: "لعبة الشيطان: كيف ساعدت الولايات المتحدة بإطلاق العنان للإسلام الأصولي".